للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
الدكتورة سوزان كارامانيان، عميد كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، تحدثنا عن المشهد القانوني الذي يكتنف القوة الاقتصادية للدول
شاركت كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة حديثًا في تنظيم ندوة إلكترونية تحت عنوان "قانون الاستثمار الدولي ورأسمالية الدولة" بالتعاون مع مركز أثينا للقانون الدولي العام التابع لكلية القانون في جامعة أثينا الوطنية باليونان ومعهد تيلبورغ للقانون والاقتصاد في جامعة تيلبورغ بهولندا. وقد ضمت الندوة نخبة من الأكاديميين والباحثين في الشأن القانوني من بلدان شتى، وتناولت طائفة من القضايا والمسائل القانونية الناشئة عن الدور الذي تضطلع به دول محددة بوصفها جهات فاعلة وقوية في المجالات التجارية على الساحة الدولية.
وتأتي دولة قطر في مصاف هذه الدول؛ إذ يمتلك جهاز قطر للاستثمار، وهو صندوق الثروة السيادي الذي أسسته حكومة قطر عام 2005، استثمارات ضخمة في بلدان عدة حول العالم، وهي تتنوع بين الحافظات المالية والممتلكات العقارية والأسهم الخاصة.
ترأستُ خلال الندوة إحدى الجلسات التي انصب النقاش فيها على الغرض والنطاق المتعلقين بالحقوق الموضوعية والالتزامات والاستثناءات ذات الصلة بأنشطة الاستثمار الخارجي لدولة من الدول. ويتسم المشهد القانوني الذي يكتنف هذه الأنشطة الاستثمارية بالتعقيد؛ إذ تتحدد أبعاده بالمعاهدات الدولية وقوانين الدول التي تستقبل التدفقات الاستثمارية (أي الدول المضيفة) والالتزامات التعاقدية، بل والأعراف القانونية غير الملزمة وإن كانت مؤثرة في الوقت نفسه. وتندرج ضمن كل مصدر من مصادر القوانين والأعراف سالفة الذكر سلسلة من القواعد والمعايير التي تكتسي أهمية بالغة بالنسبة لهوية الدولة، بل وأمنها الوطني في حالات بعينها.
وقد عززت هذه الجلسة النقاشية، حسبما أرى، من أهمية أحد المحاور التي تنطوي عليها المقاربة التدريسية والبحثية التي تنتهجها كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة؛ ألا وهو أن القانون الدولي يتضمن جوانب عامة، مثل العلاقات بين الدول، بقدر ما يشتمل على أبعاد خاصة ربما تكون أكثر بروزًا. ولا يتسنى للمرء في عالمنا اليوم أن يدرك تمام الإدراك أهمية الدور الذي تلعبه الدول على الصعيد الدولي دون أن يعي أيضًا أن بعضها يمتلك قوة اقتصادية هائلة. وقد ذكرتني النقاشات التي شهدتها الجلسة بالحاجة إلى إعادة النظر في ثنائية العام والخاص التقليدية؛ إذ إنها تحول دون استشرافنا للمشكلات، والأهم من ذلك إيجاد حلول ناجعة لها.
مصدر الصورة: HasanZaidi، عبر موقع Shutterstock
دولة قطر، على سبيل المثال، طرفٌ في عدد من الاتفاقات الاستثمارية الثنائية مع دول أخرى تسعى لتنشيط الاستثمار الأجنبي لديها، وتكفل هذه الاتفاقات تحقيق هذا المسعى من خلال إلزام الدولة المضيفة بتوفير آليات حماية محددة للمستثمرين الأجانب واستثماراتهم، الأمر الذي يمكن القول إنه ينطبق على الاستثمارات الخارجية لجهاز قطر للاستثمار. وقد تنص آليات الحماية بمقتضى الاتفاق مع الدولة المضيفة على معاملة المستثمر الأجنبي واستثماراته مثلما يعامل المستثمر المحلي واستثماراته، أو ألا يقل مستوى المعاملة عن تلك التي يحظى بها مستثمرون من دول أخرى واستثماراتهم في الدولة المضيفة.
وإلى جانب حظر الممارسات التمييزية، عادةً ما تمنع الاتفاقات الدولة المضيفة من مصادرة الاستثمارات الأجنبية وتجاهل الأصول القانونية المرعية وإجراءات التعويض، وتمنعها كذلك من الانخراط في ممارسات تخل بالتوقعات المشروعة للمستثمر. وفي العديد من الحالات تتيح الاتفاقات للمستثمر المتضرر إمكانية رفع دعوى تحكيم ضد الدولة المضيفة في حال انتهاكها بنود الاتفاق.
مصدر الصورة: As-artmedia، عبر موقع Shutterstock
وغالبًا ما تكون الشركات الخاصة هي الكيانات الاستثمارية التي تسعى لضمان حمايتها بمقتضى الاتفاقات المبرمة، غير أن ذلك لا يمنع من أن يكون بينها صندوق ثروة سيادي؛ فهل يغير هذا الأخير من طريقة تنفيذ الاتفاق؟ لا تحظر الاتفاقات في العادة توفير الحماية لذراع استثمارية تابعة لدولة ما، ومع ذلك فإن تولي صندوق ثروة سيادي توجيه دفة الاستثمارات الخارجية قد ينطوي على أبعاد سياسية. هل يمكن للدولة المضيفة أن تعتد في منح استثناء أمني لاستثمار ما بمجرد النظر إلى طبيعة المستثمر الأجنبي أو مصدر الاستثمار الأجنبي؟ وثمة ملاحظة أخرى مثيرة للاهتمام أبداها أحد المشاركين في الجلسة حول مسألة التوقعات المشروعة للمستثمرين السياديين؛ إذ إنهم ربما يملكون معرفة أكثر تعمقًا واطلاعًا أوسع على التطورات الجارية داخل إحدى الدول المضيفة، ومن ثمّ قد تكون توقعاتهم أكثر تعقيدًا مقارنة بمثيلاتها لدى الشركات الخاصة.
مصدر الصورة: Pilotsevas، عبر موقع Shutterstock
يعكس المشهد القانوني ذو الصلة، حال إرساء الحقوق والحدود، نطاقًا محددًا من القيم الأساسية المشتركة مثل الحاجة إلى حماية البيئة والأمن الوطني. ولعل أكثر محاور الجلسة النقاشية إثارة للاهتمام، حسبما أرى، كان التعرف على إسهام صناديق الثروة السيادية في صوغ بعض من هذه الأعراف من خلال استجابة هذه الصناديق للقيود القانونية أو التزامها بالمعايير الطوعية. فقد شارك جهاز قطر للاستثمار، على سبيل المثال، في صياغة مسودة وثيقة "صناديق الثروة السيادية: المبادئ والممارسات المقبولة عمومًا" (المعروفة باسم مبادئ سانتياغو) وصادق عليها أيضًا في وقت لاحق. وقد تعهد الجهاز بمقتضى هذه المبادئ بالتقيد بـ24 مبدأ إرشاديًا تهدف إلى "تعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة والمساءلة والممارسات الاستثمارية الحصيفة." وندلل أيضًا بمثال آخر يتجلى في مشاركة جهاز قطر للاستثمار بوصفه عضوًا مؤسسًا في مبادرة صندوق الثروة السيادية العالمي "كوكب واحد" والتزامه بموجب هذه المبادرة بوضع قضية التغير المناخي في الحسبان عند اتخاذ قراراته الاستثمارية.
مصدر الصورة: Ismagination، عبر موقع Shutterstock
وعلى ضوء القوة الاقتصادية التي تتمتع بها صناديق الثروة السيادية، يمكن للمرء النظر إليها على نحو جماعي بوصفها قادرة على إحداث تغيير واسع النطاق إن توفر لها الحافز للقيام بذلك.
إن إرساء جهاز قطر للاستثمار جملة من معايير الاستثمار والتزامه بتطبيقها كفيلٌ بإطلاق حوار أكثر تفاعلاً داخل دولة قطر حول الأبعاد القانونية الدولية للمسؤولية الاجتماعية للشركات، وتتطلع كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، إلى الإسهام في صوغ ملامح هذا الحوار وتيسير المشاركة فيه من جانب طلابنا وأعضاء هيئة التدريس والجهات المعنية.