إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | البحوث
13 April 2020

مقال رأي: ما الذي تعلّمناه كمنظومة تعليمية من فيروس كورونا (كوفيد-19)؟

مشاركة

فكتوريا بسمة، مسؤول وضع السياسات بمؤتمر وايز، أحد مبادرات مؤسسة قطر، تتحدث عن الأسباب التي تعتبر (كوفيد-19) بمثابة جرس إنذار ودعوة إلى يقظة كل منظومات التعليم في العالم

بينما يواصل فيروس كورونا (كوفيد-19) انتشارَه في العالم، ظهرت للعيان حقيقةٌ مؤلمة مفادها أن أنظمتنا الحالية ليست مؤهلةً للتعامل مع أزمةٍ من هذا النوع، وبالأخص في قطاع التعليم.

ففي حين تكابد المدارس في أرجاء العالم قاطبةً لإيجاد أنسب الطرق لمواصلة عملية التعليم والتعلم، بعد إغلاق أبوابها أمام الطلاب، عمّت الفوضى وتُرك غالبية الطلاب دون وسيلةٍ مجدية للتعلم عن بُعد. وبذلك أصبح من الواضح أن ثمّة حاجة لإعادة تقييم منظومة التعليم، والسؤال المطروح هنا: كيف السبيل إلى إعادة تصميم منظومة التعلم بأسلوبٍ يضمن مرونتها وكفاءتها معًا؟

لو نظرنا إلى المستوى العالمي سنجد حتى تاريخه أن 26 بلدًا أغلقت مدارسها بالكامل، ليبلغ عدد الطلاب المتأثرين بالإغلاق 37,6 مليونًا، وهو رقم يُتوقع إلى يرتفع إلى 500 مليون في حال استمرت الأزمة. ومع أن الطلاب هم بطبيعة الحال الفئة الأولى المتضررة من هذا الاضطراب غير المسبوق، إلا أن المدارس والجامعات تتجه هي الأخرى لتسجيل خسائر مالية فادحة هذه السنة، إذ يواجه قطاع التعليم في أستراليا وحدها خطرَ انتكاسة اقتصادية تبلغ 4.1 مليار جنيه إسترليني وتعزى في جزءٍ منها إلى حظر السفر المفروض على الطلاب الدوليين.

في حين يصعُب تحديد ما كان يتوجب علينا الاستعداد له لمواجهةٍ أزمةٍ كهذه، فإن حقيقة الأمر أن ذلك كان ممكنًا

فكتوريا بسمة

وفي حين يصعُب تحديد ما كان يتوجب علينا الاستعداد له لمواجهةٍ أزمةٍ كهذه، فإن حقيقة الأمر أن ذلك كان ممكنًا. فكل ما نعرفه عن فيروس كورونا (كوفيد-19) ليس بجديد، وهو أبعد ما يكون عن كونه حالةً شاذة أو ظاهرةً مدهشة، بل هو حلقةٌ في سلسلة الأزمات الصحية في التاريخ الحديث ومنها الإيبولا والسارس، وأحدثها حمى لاسا. وبالرغم من هذه التحديات كلها، وما يشهده العالم من زيادةٍ في موجات الهجرة وعدد البلدان المتأثرة بتغير المناخ، فقد فشلت منظومة التعليم في التطور وتلبية الاحتياجات المستجدة للطلاب في ضوء تلك الأزمات.

لطالما كان التعلم عن بُعد، بمختلف أشكاله، الدواءَ السحري في هذه المحن، ومنذ أمدٍ بعيد، تحدّث بيل جيتس عن قدرة المنصات الإلكترونية في تمكين الطلاب وتوفير فرص المساواة والتنمية الاجتماعية في الأماكن التي تشتدّ فيها الحاجة إليها. ومع أن نجاحاتٍ بارزةً سُجّلت على صعيد تحقيق هذه الوعود، لم تفلِح دورات التعليم الإلكتروني المفتوحة واسعة النطاق وغيرها من أشكال التعليم الإلكتروني، وفشلت في معظمها. فنجاح التعلم عن بُعد إنما يرتكز إلى مجموعة من العناصر، تبدأ بتوفير مستويات مرتفعة من التحفيز للطلاب وتنتهي باعتماد محتوىً متمايز يراعي قدراتهم المتفاوتة، وكلّها متطلبات يصعُب استيفاؤها دون وجود معلمين وأخصائيين يكرّسون كامل وقتهم في سبيل إنجازها.

على الجانب الآخر، وقعت مسؤولية تطوير خيارات التعلم عن بُعد في جُلّها على عاتق منظمات المجتمع المدني أو القطاع الخاص، وفاقم ذلك قلّة الاستثمارات الكبيرة من جانب قطاع التعليم والهيئات الحكومية ذات الصلة. فبدلاً من أن تسهم في هذا المجال، وتستفيد من عائداته، ذهبت الفائدة الكبرى إلى القطاع الخاص تحديدًا. فالدروس الخصوصية الإلكترونية، على سبيل المثال، حققت عائدًا سنويًا بلغ 38.5 مليار دولار في الصين وحدها، مع وجود توقعات بأن تحقق هذه السوق في الولايات المتحدة عائدًا يصل إلى 7.37 مليار دولار بحلول عام 2023.

بصرف النظر عن شكل تطور التكنولوجيا المبتكرة، فالتعلم هو عملية تجريبية تضرب بجذورها عميقًا في التفاعل بين البشر

فكتوريا بسمة

في ظل معادلةٍ قوامُها فِرق تدريس تتكون من معلمين ينتسبون لبعض أفضل الجامعات في العالم، ومواردُ تفوق بكثير تلك المتوفرة في المدارس العامة، وجلساتٍ تعليمية تبلغ تكلفة الساعة الواحدة منها بين 40 و300 دولار أمريكي، تكون النتيجة البسيطة حرمان الطلاب ذوي الدخل المنخفض من التعليم ووضعهم خارج المعادلة. ولا تنتهي المسألة هنا فحسب، بل تطال جوانب أخرى في غاية الأهمية تتعلق بمدى ملاءمة وكفاءة هذه المنصات في تعليم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة أو صعوبات التعلم.

من ناحية ثانية، وبصرف النظر عن شكل تطور التكنولوجيا المبتكرة، فالتعلم هو عملية تجريبية تضرب بجذورها عميقًا في التفاعل بين البشر. وقد أثبتت نماذج التعلم التي طورها القطاع الخاص أن هناك مجالًا لإيجاد توافقٍ ما بين التعلم المستقل والدعم الشخصي المخصص. وبالنسبة لنا في مبادرة وايز، مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم، إحدى مبادرات مؤسسة قطر، هنالك أمثلةٌ برهنت على قدرة الشراكات الحيوية على مساعدة أطرافها في التكيّف خلال الأزمنة المضطربة التي يسودها عدم اليقين.

صحيحٌ أن هناك شعورًا هائلاً بالشك وانعدام اليقين في هذه الأيام، لكنّ إحدى إيجابياته أن أمامنا فرصة لإعادة ضبط العجلة وتصحيح المحور

فكتوريا بسمة

شهِد القائمون على برنامج تسريع التطوير، التابع لنا، جهودًا جماعية بذلتها عدة مؤسسات لإحداث تغييرٍ سريع والتعلم من بعضها البعض بهدف دعم منظومات التعليم في بلدانهم. ففي الأسبوع الماضي، استضاف ألدو دي بابي، مؤسِّس TeachPitch، الحلقة الأولى من سلسلة حلقات دراسية شبكية حول كيفية تكيّف شركات تكنولوجيا التعليم والتصدي للتحديات التي فرضها انتشار وباء كورونا (كوفيد-19). وفي لبنان، تعمل منصة Kamkalima (كم كلمة) لتعلم اللغة العربية، مع المدارس المحلية لتوفير النفاذ إلى مواردها مجانًا لغاية انطلاق العام الدراسي الجديد في شهر سبتمبر القادم. في الأرجنتين، قدّم الفريق المسؤول عن Wumbox، وهو منصة للتعلم التكيّفي القائم على سرد الحكايات، تدريبًا مكثفًا للمستخدمين الجدد لتأهليهم لنموذج التعلم عن بُعد في وقتٍ بدأ فيروس كورونا ينتشر في بلدان أمريكا اللاتينية.

صحيحٌ أن هناك شعورًا هائلاً بالشك وانعدام اليقين في هذه الأيام، لكنّ إحدى إيجابياته أن أمامنا فرصة لإعادة ضبط العجلة وتصحيح المحور. وصحيحٌ أن التعليم كان يُنظر إليه في الغالب على أنه قطاعٌ يستمد تعريفه وسماته من المؤسسات الأكاديمية وعملياتها التي تفتقر للمرونة، إلا أن الأسابيع القليلة الأخيرة بدأت في نقض هذه الافتراضات ودحضها. وقد أثبتت كافة الجهات المعنية بالتعليم، بمختلف اختصاصاتها، أنها متعاونة وذات فكر استباقي ومنفتحةٌ لإحداث تغيير جذري في مشهد التعليم.

إن الجهد الجماعي الذي رأيناه مؤخرًا في قطاع التعليم، سواء أكان على شكل نصيحةٍ تتعلق بكيفية إدارة عملية التعلم عن بُعد أو العمل معًا لفهم الطريقة المثلى لتغيير منظومة التعليم وتلبية الاحتياجات المستجدة للطلاب، إنما يرسل إشارةً بسيطة إزاء ما يمكن، بل يتوجب، العمل على تحقيقه في ظلّ الأزمة التي تعصف بنا.

قصص ذات صلة