مقال رأي: ما الذي يجعل الجولف أكثر من مجرد رياضة

يجتمع هذا الأسبوع لاعبو رياضة الجولف من شتى أنحاء العالم للمشاركة في الدورة الثالثة والعشرين من بطولة البنك التجاري قطر ماسترز،  وهي جزء من الجولة الأوروبية التي يتنافس فيها العديد من أفضل لاعبي الجولف في العالم،  والتي تقام في نادي المدينة التعليمية للجولف. وبصفتي لاعبة جولف مخضرمة، أشعر بسعادة غامرة لأن ملعبي المعتاد يستضيف أفضل اللاعبين، وقد دفعتني هذه الفعالية لمشاركة تجربتي والدروس المستفادة من اللعبة والتي تتجاوز مجرد الاستمتاع باللعب.

قد تبدو لعبة الجولف سهلة للوهلة الأولى، لكنها في الحقيقة صعبة بشكل مدهش، حيث يتطلب تنفيذ ضربة جيدة من إحدى نقاط الانطلاق أو الممرات مزيجًا من التناسق والمرونة والثبات والقوة، وهو ليس أمرًا سهلًا لمعظم الناس، ولكي تستقر الكرة ختامًا في الحفرة، يتعين على اللاعب ضرب الكرة بهدوء ودقة وثبات لتتدحرج بالاتجاه والقوة المناسبين.

في البدايات، يشعر اللاعب المبتدئ بلذة النصر عندما يتمكن من ضرب الكرة بسهولة أو عندما يتمكن من إدخالها إلى الحفرة بسلاسة كما يفعل تايجر وودز، ثم يقضي بعد ذلك أسابيعًا في محاولة تقليد تلك الضربات الرائعة، ومع الوقت يزداد تكرارها وتزداد لحظات النصر في الملعب. وبعد الكثير من الممارسة والتعلّم، يحتاج اللاعب إلى جمع أقصى شجاعته للوقوف عند نقطة الانطلاق الأولى، حيث سيشعر بالتوتر الشديد عندما يشاهده الآخرون وهو يصيب العشب بالمضرب بدلًا من الكرة، وسيزداد الأمر سوءًا عندما يشاركونه البحث، دون جدوى، عن الكرات التي ضلّت طريقها بين الشجيرات والأعشاب. وستكون قمة الإحراج عند إضاعة فرصة سهلة لإدخال الكرة إلى الحفرة من مسافة قريبة.

ومع ذلك، لا بد من بعض لحظات التألق حتى خلال المحاولات الأولى، وستكون هذه اللحظات إلى جانب الرغبة في التطوّر والتحسّن، هي الدافع لمواصلة العودة إلى الملعب، بالإضافة إلى إدراك اللاعب أنه ليس الوحيد المعرّض للفشل، فحتى المحترفون معرضون للإخفاق. وبذلك يتعلم فضيلة التواضع بغض النظر عن مستواه في اللعب.

غالبًا ما تُعلّمنا لعبة الجولف دروسًا حول الرّوح الإنسانية. وبصفتي أكاديمية، أجدُ هذه الدروس متناغمة مع عملي اليومي، وأرى أنها تستحق مشاركتها مع الآخرين.

لعبة الجولف تختبر مرونة المرء، وتُعلّمنا كيف نتصرف عندما نفشل، خاصة أمام الآخرين، هل نتوقف عن اللعب؟ وإذا قررنا المتابعة، فما التعديلات التي سنجريها؟ هكذا تعلِّمُنا اللعبة التكيّف والتعلّم من أخطائنا. وضبط الذات.

لعبة الجولف تخضع لقوانينها وقواعدها الخاصة، ولكن في الوقت ذاته يجب على كل لاعب أن يضبط سلوكه والتزامه. فعلى سبيل المثال، إذا قمت سهوًا بتحريك الرمل لجعل ضرب الكرة أسهل، ودون أن يراني أحد، يجب علي الإعتراف وقبول ضربات الجزاء المترتبة على ذلك. هكذا تذكرنا الجولف دائمًا أن سلوكنا الخاص يخضع للرقابة العامة.

إضافة إلى ذلك، تعلمنا الجولف التعامل بلطف وأدب، فعلى الرغم من أن اللعبة تقوم على التحدي بين اللاعب والملعب، إلا أنها تشمل التفاعل مع الآخرين، سواء شركاء اللعب أو العاملين في الملعب. وخلال سنوات لعبي الطويلة، كوّنت صداقات وطيدة ومميزة جدًا في الملعب. حيث تشاركنا معًا لحظات الإخفاق المحرجة وكذلك نشوة الانتصار والضربات المتألقة.

خلال الوقت الذي قضيته في ممارسة رياضة الجولف، أصبحت أقدّر الجوانب الأخرى من رياضة الجولف، حيث من الرائع أن يخرج المرء إلى الهواء الطلق بعد قضاء يوم العمل في الأماكن المغلقة. وتُعَدُّ ملاعب الجولف، خاصة ملعب نادي المدينة التعليمية للجولف، واحة ترحب بالزائرين وتبعث على راحة البال، حيث يتميز النادي بأشجاره ونباتاته وطيوره وعبير أشجاره الذي يعيد إليَّ ذكريات المشي في صحراء نيومكسيكو.

راحة البال هذه تصاحبها فوائد جسدية أيضًا، حيث يسهل السير خلال فصل الشتاء في ملعب البطولات المكون من 18 حفرة في نادي المدينة التعليمية للجولف. وإذا أحصينا المرات التي أذهب فيها للبحث عن الكرات الضائعة فيمكن القول إنني أسير حوالي 8 كيلومترات في كل جولة، وهو ما يجعلني أعتقد أنني سأكون قادرة على مواصلة اللعب حتى في الثمانينيات من عمري.

في الختام، أنصحُ كل من لم يجرب رياضة الجولف من قبل بزيارة نادي المدينة التعليمية للجولف، أو نادي الدوحة للجولف أو غيرها، وسيرى التغير الذي سيطرأ على حياته إذا داوم على هذه الرياضة، ليس من الناحية الجسدية فحسب، وإنما من الناحية النفسية والسلوكية أيضًا.

الدكتورة سوزان كرمانيان، عميد كلية القانون في جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر. علمها والدها لعبة الجولف منذ كانت طفلة، فظلّت متعلقة بها حتى الآن. تشكر الدكتورة زميلها الدكتور ليزلي بال، عميد كلية السياسات العامة في جامعة حمد بن خليفة، والذي اهتم بلعبة الجولف مؤخرًا وقدم اقتراحاته لهذا المقال.