للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
أطلقتها مبادرة الصحة العالمية "ويش" بهدف تقليص الهوّة بين الأخصائيين النفسيين والمجتمعات العربية
أينما وليّت وجهك اليوم، تقرأ منشورًا عن الصحة النفسية، وتسمع عن ندوة لطبيب نفسي هنا، وورشة عمل لمدرّب حياة هناك، ومحاضرة لشخصيات شهيرة يشاركون تجاربهم عن صحتهم النفسية. لما كلّ هذا الضجيج حول الصحة النفسية خصوصًا في عالمنا العربي؟ ألا تشعر وكأنه مفهوم جديد يجتاح حياتنا في الآونة الأخيرة؟ ما هي الصحة النفسية "الدخيلة" إلى مجتمعاتنا تبدو للوهلة الأولى كمفهوم غربي أليس كذلك؟
ألم تشعر يومًا أنك لست بخير نفسيًا؟ أسمعت عن قريب أو صديق قصد المستشفى ليلًا بسبب تسارع في نبضات القلب، والارتعاش دون سبب، وضيق في التنفس، وأن الأطباء توصلوا إلى نتيجة خلوّ الجسد من أي مرض بعد فحوصات متكررة، ونصحوا المريض بالحصول على مساعدة من أخصائي نفسي.
محمود العشي
الأخصائي النفسي قريبٌ منك، وينتظرك ليساعدك لأنه بكل بساطة انسان يشعر في كثير من الأحيان بما تشعر به، ولكنّ خبرته وتعليمه يسمحان له باحتواء كلّ هذه المشاعر السلبية، ومساعدتك على كيفية إدارتها، كي لا تؤثر على صحتك البدنية.
إذا لم تكن مهتمًا بصحتك النفسية، فاعلم أن دستور منظمة الصحة العالمية- التي تضمّ 194 دولة في عضويتها- يعرّف الصحة على أنها "حالة من اكتمال السلامة بدنيًا وعقليًا واجتماعيًا، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز"، وهذا يعني أن الصحة النفسية جزء لا يتجزّأ من الصحة؛ وأن صحتنا لا تكتمل بدون الصحة النفسية.
ومع التغييرات السريعة التي فرضت علينا في مختلف نواحي الحياة في ظلّ تفشي جائحة (كوفيد-19)، وما رافقها من قلق، وتوتر، وخوف، وتباعد اجتماعي، اتخذت الصحة النفسية اهتمامًا أكبر وعلى نطاق أوسع، وأصبحنا مدركين لأهمية العناية بصحتنا النفسية لكيّ نتمكّن معًا من مواجهة التحديات، والتكيّف مع هذه المتغيرات.
من هنا، يركز مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية "ويش"، - الذي استقطب في نسخته السابقة منذ عامين أكثر من 2000 مشارك من 160 دولة، - والمقرر أن ينعقد في صيغة افتراضية بين 15-19 نوفمبر المقبل على قضايا الصحة النفسية بشكل عام، ولدى الأطفال والمراهقين بشكل خاص.
في نظرة سريعة على الإحصائيات كشفت التقديرات في السنوات الثلاث الأخيرة عن إصابة أكثر من 322 مليون شخص بالاكتئاب، ومعاناة 264 مليون شخص من اضطراب القلق، وذلك بحسب ما ورد في تقرير منتدى القلق والاكتئاب التابع لمؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية "ويش"، عام 2018 بعنوان: "التعامل مع القلق والاكتئاب، نهج لنظام متكامل".
توّلدت فكرة مدوّنة )أمنية صحية) من نتائج التقرير الذي صدر عن ويش عام 2018، والذي سلط الضوء على القلق والاكتئاب آنذاك
أشار هذا التقرير إلى أن الآثار المدمرة والمعقدة للقلق والاكتئاب تتفاقم بسبب إلصاق وصمة عار بالمصابين بهما وممارسة التمييز ضدهم، ما يؤثر على نواح عدة في حياة البشر وطلب المساعدة في الوقت المناسب.
في إطار تلك المساعدة، أطلق "ويش"، أول مدونة صوتية باللغة العربية في دولة قطر حول الصحة بشكل عام والصحة النفسية بشكل خاص، تزامنًا مع الاحتفالات باليوم العالمي للصحة النفسية، وتمهيدًا لمؤتمر القمة المقبل الذي سيصدر تقريرًا لعام 2020 بعنوان "الصحة النفسية والتكنولوجيا الرقمية: تحويل الرعاية من خلال الابتكار وتوسيع النطاق".
أطلق "ويش"، أول مدونة صوتية باللغة العربية في قطر تركز على الصحة، وذلك تزامنًا مع الاحتفالات باليوم العالمي للصحة النفسية.
تحمل هذه المدونة اسم "أمنية صحية"، ويتألف كلّ موسم منها إلى ست حلقات، تستضيف خبراء دوليين من داخل دولة قطر والمنطقة والعالم، بهدف مشاركة أكبر عدد من التجارب التي تختلف بطبيعتها بين المجتمعات العربية، ومن أجل نشر الوعي للحفاظ على الصحة النفسية بطرق بسيطة وسهلة.
في هذا السياق، يحدّثنا محمود العشي، رئيس قسم الابتكار في "ويش"، عن هذ المدونة الصوتية قائلًا:" توّلدت فكرة مدوّنة (أمنية صحية) من نتائج التقرير الذي صدر عن ويش عام 2018، والذي سلط الضوء على القلق والاكتئاب آنذاك، إضافة إلى نتائج التقارير السابقة لمؤتمر ويش التي طالما أعطت للصحة النفسية حيزّا واسعًا من الاهتمام؛ حيث كنّا نتساءل عن كيفية توصيل رسائل الصحة النفسية إلى الجمهور العربي وتعزيز وعيه بأهمية الصحة النفسية بعيدًا عن المفاهيم الخاطئة أو ما يُعرف بوصمة العار".
هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة المحيطة بالصحة النفسية، حيث غالبًا ما يتم توجيه الفرد من قبل المحيطين به، للحصول على مساعدة من غير أخصائيين والاكتفاء بالممارسات الشعبية التقليدية، بدلًا من إرشاده نحو طلب المساعدة ممن يستطيعون ذلك ولديهم الخبرة
أضاف العشي:" تبلورت فكرة المدوّنة من التجارب الشخصية والأسرية المحيطة بنا من كلّ حدب وصوب، حيث أن الاضطرابات النفسية، سواء القلق، الاكتئاب، أو نوبات الهلع، أو تحديات نفسية أخرى موجودة بين العائلات وداخل البيوت، إلا أن الحديث عن ذلك حتى بين أفراد الأسرة أنفسهم يعتبر بحدّ ذاته صعبًا للغاية، وسببًا للإحراج، وأحيانًا لمزيد من القلق، لمن يحتاج المساعدة".
تابع: "هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة المحيطة بالصحة النفسية، حيث غالبًا ما يتم توجيه الفرد من قبل المحيطين به، للحصول على مساعدة من غير أخصائيين والاكتفاء بالممارسات الشعبية التقليدية، بدلًا من إرشاده نحو طلب المساعدة ممن يستطيعون ذلك ولديهم الخبرة. ولذلك، سعينا من خلال هذه المدونة إلى تقليص الهوّة بين أفراد المجتمع والأخصائيين، في مسعى لكسر القيود النفسية التي تعيق الفرد عن طلب المساعدة، وتعزيز وعيه بالعوامل الاجتماعية والنفسانية والبيولوجية، التي تحدد مستوى صحته النفسية، ومعرفة اللحظة المناسبة لإدراك أنه يحتاج فعلًا إلى مساعدة وأن صحته النفسية ليست بخير، وتقبل هذه الحقيقة".
تهدف المدونة الصوتية إلى تحفيز جميع أفراد المجتمع بدءًا من مرحلة المراهقة والشباب، على الاهتمام بصحتهم النفسية
مدونة "أمنية صحية" الصوتية ستُطلق ثلاث حلقات خلال قمة "ويش 2020" الذي ينعقد بعنوان "صحتنا في عالم واحد" ومن ثم ثلاثة حلقات بعد القمة مباشرة. تتناول الحلقة الأولى خلال القمة المفاهيم الخاطئة عن الصحة النفسية، فيما تركز الحلقة الثانية على التوازن بين الحياة الشخصية والعملية، وتناقش الحلقة الثالثة أحد الخبراء المشاركين في تقرير "الصحة النفسية والتكنولوجيا الرقمية" كيف يمكن للتكنولوجيا المساعدة في إيصال خدمات الصحة النفسية الرقمية للجميع
وتعالج الحلقة الرابعة موضوع اضطراب القلق وكيفية التعامل معه. في هذا الإطار، شير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن خسائر الاقتصاد العالمي من حيث الإنتاجية تصل إلى نحو 1 تريليون دولار أمريكي سنويًا حول العالم وذلك نتيجة الاكتئاب والقلق. ناهيك عن أن 1 من 5 أطفال ومراهقين في العالم يعانون من اضطراب نفسي، ونصف هذه الاضطرابات النفسية تتكوّن لدى الأطفال تحت سنّ الـ14 عامًا، وبالتالي التركيز على صحة الأطفال النفسية أصبح حاجة ملحة خصوصًا في ظلّ الصعوبات التي يواجهها الأطفال في زمن "كوفيد-19"، سواء في تغير شكل التعليم، أو ارتداء الكمامات، والتباعد بينهم وبين أفراد أسرهم وأصدقائهم.
استقطب في نسخته السابقة منذ عامين أكثر من 2000 مشارك من 160 دولة.
يوضح العشي:" تهدف المدونة الصوتية إلى تحفيز جميع أفراد المجتمع بدءًا من مرحلة المراهقة والشباب، على الاهتمام بصحتهم النفسية بشكل مستمر ودائم، وألاّ نعتبر هذا النوع من الاهتمام منوط فقط بفترة زمنية معينة أو أنه ظرف مؤقت. سواء خلال كوفيد-19 أو في مرحلة ما بعد كوفيد. لهذا، نشدد على ضرورة العناية بالصحة النفسية للأطفال في سنّ مبكرة، ورصد مؤشرات الاضطرابات النفسية مبكرًا، حيث أن العوامل الأسرية، والبيئة المحيطة، وغيرها من العوامل تؤثر بشكل كبير على خيارات الأطفال، وقرارتهم التي تحدد شخصياتهم وطرق تفكيرهم في المستقبل".
يتطلع مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية "ويش"، من خلال مدوّنة "أمنية صحية" الصوتية، إلى حثّ الناس في العالم العربي على اختلاف فئاتهم العمرية، والثقافية، للحديث عمّا يؤرقهم نفسيًا، والتحلي بالشجاعة الكافية لطلب مساعدة الأخصائيين النفسيين من أجل حياة أفضل.