للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
حسن المعاملة هو فضيلة، ووفقًا للدكتورة عائشة هند رفاعي، فإن حسن المعاملة الذي يشهده الأطفال من خلال تعاملاتنا اليومية يؤثر على تشكيل شخصياتهم في الكبر.
مصدر الصورة: SewCream، عبر موقع Shutterstockأستاذة في وايل كورنيل للطب - قطر – الجامعة الشريكة لمؤسسة قطر –تتحدث عن أهميّة اللطافة والمعاملة الحسنة في التفاعلات اليومية بين أفراد المجتمع
أن تقول "شكراً" للنادل الذي أحضر قهوتك، أو أن تلقي التحية على عامل محطة الوقود الذي ملأ خزان سيارتك، أو أن تبادر بالابتسامة في وجه الغرباء على الطريق، جميعها سلوكيات طيبة وبسيطة إلا أن تأثيرها على من حولنا قد يفوق تصورنا.
قد يكون لتلك السلوكيات الحسنة ما يسمى بـ"تأثير الفراشة"، وهي نظرية تفترض أن أمورًا في غاية البساطة قد لا تبدو بالأمر الجلل، يمكنها أن تؤثر بصورة كبيرة على نطاقات أكبر وأكثر اتساعًا. وهو مصطلح يستخدم في الغالب للتأكيد على أهمية السلوكيات الصغيرة في التأثير على نظم أكثر تعقيدًا، كرفرفة بسيطة من جناحي فراشة في مكان ما، يمكنها أن تولد إعصارًا في مكان آخر على الكوكب.
الدكتورة عائشة هند رفاعي.
التأثير على الأطفال
صغار السن والأطفال بصفة عامة هم أكثر الفئات تأثرًا بالأفعال اليومية التي يقوم بها الآخرون. توضح الدكتورة عائشة هند رفاعي، الأستاذ المساعد في الطب النفسي السريري في وايل كورنيل للطب – قطر، الجامعة الشريكة لمؤسسة قطر قائلةً: "تميل الفئات العمرية الأصغر سنًا إلى مراقبة الأشخاص الأقرب إليهم، ممن يقدرونهم ويمثلون أهمية كبيرة في حياتهم، خاصة أولئك الذين يعتمدون عليهم ويحبونهم ويحترمونهم".
نظرًا لكون الوالدين محط التركيز الأساسي بالنسبة لأطفالهم، فإن لأفعالهم وقع أعمق كثيرًا من كلماتهم في نفوس أبنائهم. قد لا يُمكننا غرس قيم الرحمة والتعاطف في نفوس الأطفال من خلال التوجيه فحسب، بل هي قيم يتم اكتسابها بالملاحظة والمحاكاة، والقدرة على فهم مختلف الظروف والمواقف من وجه نظر الآخرين.
تقول الدكتورة رفاعي: "تمثّل الملاحظة جزءًا كبيرًا من عملية التعلّم والتطوّر. ويأتي هذا التعلم من خلال محاكاة وتكرار السلوكيات التي نراها من حولنا".
إن التعلم من خلال الملاحظة يعتبر إحدى الطرق الرئيسية لبناء وتطوّر الشخصية لدى صغار السن، إلى جانب تكوينهم البيولوجي، إذ أنه يٌسهم بقدر كبير في تشكيل شخصياتنا في الكبر وفي تحديد سلوكياتنا كأفراد بالغين في المستقبل
"لذا فإن التعلم من خلال الملاحظة يعتبر إحدى الطرق الرئيسية لبناء وتطوّر الشخصية لدى صغار السن، إلى جانب تكوينهم البيولوجي، إذ أنه يٌسهم بقدر كبير في تشكيل شخصياتنا في الكبر وفي تحديد سلوكياتنا كأفراد بالغين في المستقبل ".
أظهر عدد من الدراسات أيضًا أن تعلم قيمة التعاطف في سن مبكرة يُسهم بشكل كبير في الحد من سلوكيات التنمر، كما أنه يساعد الأطفال على بناء علاقات أفضل وأقوى وأكثر تأثيرًا في محيطهم.
التأثير على الذات
إن ما نقوم به من أفعال هو ما يحدد شخصياتنا، وكما يؤثر الغذاء الذي نتناوله على صحتنا الجسدية، كذلك تعكس سلوكياتنا وأفعالنا القيم التي نؤمن بها وما يعتمل بداخلنا من أفكار ومشاعر. وقد أثبتت دراسات علمية أن التعامل مع الآخرين بلطف يعتبر أسهل طريقة لرفع مستويات هرمون السيروتونين المسؤول عن حالتنا المزاجية، بدون أي عناء، كما أنها تساعدنا على التخلص من مشاعر القلق والتوتر، وتعمل على تحسين صحتنا النفسية والجسدية.
من الضروري الحفاظ على مستوى معين من التفاعل مع الآخرين، فتلك هي الطريقة التي نعزز من خلالها البنية الإجتماعية من حولنا لتجنب الشعور بالوحدة
تقول الدكتورة رفاعي: "البشر بطبيعتهم كائنات اجتماعية، وقد أظهرت الأبحاث أننا نزدهر بين الآخرين، في حين أن العزلة يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على صحتنا وسعادتنا. ومن أجل تعزيز علاقاتنا الإجتماعية، فمن الضروري الحفاظ على مستوى معين من التفاعل مع الآخرين، فتلك هي الطريقة التي نعزز من خلالها البنية الإجتماعية من حولنا لتجنب الشعور بالوحدة".
وأردفت: "كما تبين أن التعرف على شخص ما باسمه، مثل المحاسب في سوق الأغذية، أو حارس الأمن في العقار الذي نسكن به، وإلقاء التحية على هذا الشخص، يعتبر أحد أشكال التواصل البسيطة للغاية، التي يمكنها أن تقي البعض من الإصابة بالاكتئاب".
وفقًا لدراسة أجرتها كلية الطب بجامعة هارفارد - دراسة هارفارد عن مراحل تطور حياة البالغين منذ فترة الشباب وحتى كبر السن - والتي تتبعت الصحة الجسدية والنفسية لمجموعة من بضع مئات من طلاب السنة الثانية على مدار 80 عامًا، فإن العلاقات والصداقات الجيدة لها تأثير قوي على إطالة العمر والحفاظ على الحالة الصحية، في حين أن الوحدة والعزلة لها تأثير سلبي بل وقاتل في بعض الأحيان.
نحن بحاجة إلى نشر الوعي حول أهمية التعاطف مع الآخرين، فنحن جميعًا بشر، ونحن قطعًا سواسية بصورة لا لبس فيها، بغض النظر عن منصبنا أو مكانتنا، أو ما نملكه من أموال أو ممتلكات
التأثير على المجتمع
للأسف، قد نصادف من خلال مشاهداتنا اليومية سلوكيات لا تحترم الآخر. مثل إلقاء القمامة من نافذة السيارة دون اكتراث، اعتمادًا على قيام عامل النظافة بمهمة إلتقاطها فيما بعد، فمثل هذا السلوك يؤثر حتمًا على المتلقي المباشر لهذا الفعل وكذلك على كل من شاهده.
من الشائع أن يواجه العاملون في قطاع الخدمات بصورة عامة بعض المواقف السلبية، والتي تتمثل في بعض الأحيان في التجاهل، أو الإضطرار إلى التعامل مع غضب بعض العملاء، أو تلقي النقد اللاذع من مدرائهم.
تقول الدكتورة رفاعي: "يمكنني القول من خلال مسيرتي العملية، أن العاملون بقطاع الخدمات يشكلون الفئة الأكثر هشاشة من الناحية العاطفية والنفسية في المجتمع، حيث يضطر معظمهم في أغلب الأوقات للإستجابة لمثل هذه المواقف بشكل سلبي، حيث يشعرون بأن ليس أمامهم خيار سوى تقبّل الأمر".
من منظور الطفل، تؤكد الدكتورة رفاعي أن أية نوع من التفاعل البشري الذي ينطوي على معاملة شخص ما بطريقة لا تمنحه مكانته المستحقة كإنسان آخر، تعطي انطباعًا بأن هذا الشخص غير مساوٍ للآخرين، فإن سلوكنا اتجاه الآخر يعكس رؤيتنا لهم.
تقول الدكتورة رفاعي: "إن التعرف على شخص ما باسمه، وإلقاء التحية عند مقابلته، يعتبر أحد أشكال التواصل البسيطة للغاية، التي يمكنها أن تقي البعض من الإصابة بالاكتئاب". تم التقاط هذه الصورة قبل تفعيل الإرشادات الصحية الخاصة بجائحة (كوفيد-19). مصدر الصورة: Dmytro Zinkevych، عبر موقع Shutterstock
تقول الدكتورة رفاعي: "إن مثل هذه السلوكيات تثير الشكوك والتساؤلات في عقل الطفل حول الطبيعة الأصيلة التي تقضي بالمساواة بين البشر، ويبدأ عقل الطفل في التساؤل ما إن كان لهذا الشخص ذات الحقوق التي نتمتع بها؟ وهكذا يترسخ هذا السلوك في ذهن الطفل، بحيث يتعلمه وفي الأغلب سيكرره فيما بعد".
وختمت بقولها: "نحن بحاجة إلى نشر الوعي حول أهمية التعاطف مع الآخرين، فنحن جميعًا بشر، ونحن قطعًا سواسية بصورة لا لبس فيها، بغض النظر عن منصبنا أو مكانتنا، أو ما نملكه من أموال أو ممتلكات، ومن واجبنا أن نعلّم أطفالنا تلك المبادئ الهامة منذ الصغر للمساعدة في نشر روح التعاطف والسلوكيات الحميدة في المجتمع".