للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
يتحدث خبراء من المراكز التابعة لجامعة حمد بن خليفة عن مستقبل مهنة الترجمة ودور الترجمة الآلية
في ظل الانتشار المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، فقد بات متوقعًا أن تتأثر الوظائف المستقبلية تأثرًا كبيرًا جرّاء ما يُعرف باسم عمليات الأتمتة؛ وقد يسفر ذلك عن إنجاز العديد من الوظائف الحالية في مختلف القطاعات من خلال الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تتسبب بدورها في اختفاء عددٍ من المهن الحالية.
ومما لا شك فيه أن لتقنيات الذكاء الاصطناعي دورٌ ملموس في الارتقاء بطريقة عمل المترجمين المتخصصين في قطاع الترجمة بأسرِه، فضلًا عن زيادة الاعتماد على الترجمة الآلية بغية تيسير التواصل بين بني البشر؛ لكن يظل السؤال قائمًا: هل يعني هذا أنه في مرحلة ما في المستقبل لن تكون هناك حاجة إلى المترجمين البشريين؟
الدكتور أحمد عبد العالي، كبير مهندسي البرمجيات في معهد قطر لبحوث الحوسبة بمؤسسة قطر.
ندى المحميد، مديرة مركز الترجمة والتدريب بمعهد دراسات الترجمة في جامعة حمد بن خليفة.
الآلة مقابل الإنسان
يوضح لنا الدكتور أحمد عبد العالي، كبير مهندسي البرمجيات في معهد قطر لبحوث الحوسبة، أحد المراكز التابعة لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، أنه على الرغم من اعتماد الترجمة الآلية في مراحلها الأولى اعتمادًا واضحًا على المصادر التي أعدَّها متخصصون، لا سيّما المعاجم ثنائية اللغة وقواعد التحويل النحوية من لغة لأخرى، فإن الترجمة الآلية الحديثة صارت تستعين بمصادر غير مصممة أو مخصصة لها على وجه التحديد.
ويقول الدكتور عبد العالي: "إن التنقيب في المدونات النصيّة المتوازية واستخلاص العبارات من البيانات شبه المتوازية هو الاتجاه الجديد السائد في الوقت الراهن؛ وبعد جمع هذا الكمّ الهائل من البيانات المتوازية، عكف الباحثون أيضًا على دراسة استخدام الترجمة العكسية كوسيلة لزيادة حجم بياناتهم"، مضيفًا أن المنهجيات الحديثة المدعومة بالتطورات الحاسوبية قد أتاحت للباحثين تحليل كميّات كبيرة من البيانات يقدّر عددها بمليارات الكلمات.
النصوص التي تنتجها نُظم الترجمة الآلية عادة ما تتسم بالسلاسة الشديدة، إلا أنها تفتقر إلى "ملاءمة السياق" في بعض الحالات
كذلك ساهمت وفرة المصادر في مجالات معينة في تيسير الفهم الآلي لعملية الترجمة، خاصة وأن بعض مجالات التواصل بين البشر لا تتطلب بنية نصية معقدة أو درجة عالية من الإبداع، مما أتاح للآلة تقديم ترجمات تحاكي في جودتها الترجمات التي يجود بها العقل البشري.
ومع ذلك، يبيّن الدكتور عبد العالي أن الترجمة الآلية ما زالت غير قادرة على إخراج ترجمة دقيقة في أنواع معينة من النصوص، ومنها النصوص الإبداعية على سبيل المثال؛ مشيرًا إلى أن "النصوص التي تنتجها نُظم الترجمة الآلية عادة ما تتسم بالسلاسة الشديدة، إلا أنها تفتقر إلى "ملاءمة السياق" في بعض الحالات. ومن الممكن أن تتعرف هذه النُظم على الإشارات الدالة على سياق النص، لكن يلوح أمامها تحديات أخرى تتمثل في أنماط معينة من لغتنا البشرية تنطوي على استعمال التعابير الساخرة والتهكمية والمفارقات الكلامية التي تفشل الآلة في فهمها ".
الآلة والطبيعة الذاتية للغات
لا تزال الترجمات الآلية والعروض النصيّة المؤتمتة للحوار تفتقر إلى الدقة اللازمة، على الرغم من إحرازها تقدمًا ملموسًا على مدار السنوات الماضية. وفي هذا الإطار، تؤكد الأستاذة ندى المحميد، مديرة مركز الترجمة والتدريب بمعهد دراسات الترجمة في جامعة حمد بن خليفة، أن أحد التحديات الرئيسية التي تعيق مسار الترجمة الآلية هو الطبيعة الذاتية التي تتسم بها اللغة.
إن الذكاء الاصطناعي ليس بمقدوره بعد الكشف عن جوانب الدعابة أو اختلاف النبرات الصوتية في النصوص المكتوبة والمنطوقة، وليس بوسعه تحليل لغة الجسد
وعن ذلك تقول "إن اللغات الطبيعية تتسم بالذاتية، وهي دائمة التطور بمرور الوقت، وهذا يشكّل تحديًا كبيرًا أمام الترجمة الآلية؛ وإذا سلمّنا بتفوق الذكاء الاصطناعي في إنجاز المهام الموضوعية، فإن اللغات الطبيعية عبارة عن أفكار ذاتية تستخدم للتواصل بين البشر، واللغات التي نتحدث بها ترتكز على الحقائق المتفق عليها وليس على الجوانب الموضوعية".
كما أن التحديات الرئيسة الأخرى التي تواجه الترجمة الآلية تكمن في عدم قدرتها على نقل المشاعر دون تدخل العنصر البشري في تحسينها؛ وتضيف ندى المحميد قائلة :"إن الذكاء الاصطناعي ليس بمقدوره بعد الكشف عن جوانب الدعابة أو اختلاف النبرات الصوتية في النصوص المكتوبة والمنطوقة، وليس بوسعه تحليل لغة الجسد. وفي مجاليّ الترجمة التحريرية والترجمة الفورية، تؤثر كل هذه العوامل على ترجمة الرسالة وتفسيرها ونقلها من لغة لأخرى؛ وهذا بدوره يتطلب دائمًا تدخل مترجم بشري للتحقق من صحة الترجمة وتدقيقها، ولكن المعول عليه هنا هو مقدار التدخل الذي يتغير دومًا وفق طبيعة النص المترجم".
الارتقاء بمهنة الترجمة
لا نعلم يقينًا مقدار الوقت الذي ستستغرقه تقنيات الذكاء الاصطناعي لتستقل تمامًا بحيث لا تتطلب تدخل العنصر البشري فيها. وفيما يتصل بمجال الترجمة، تذكر ندى المحميد إن الذكاء الاصطناعي سيساعد في النهوض بمجال الترجمة التحريرية والفورية بدلاً من السيطرة عليه، كما سيسهم في تهيئة أدوار جديدة وأكثر أهمية للمترجمين.
حتى وإن استطاع الذكاء الاصطناعي، في المستقبل البعيد، من محاكاة البشر في إتقان لغتهم، هذا لا يعني أن تكون له اليد العُليا في مجال الترجمة، أو أن يتسبب في إزاحة المترجمين البشريين عن وظائفهم
تضيف قائلةً: "حتى وإن استطاع الذكاء الاصطناعي، في المستقبل البعيد، من محاكاة البشر في إتقان لغتهم، هذا لا يعني أن تكون له اليد العُليا في مجال الترجمة، أو أن يتسبب في إزاحة المترجمين البشريين عن وظائفهم"؛ فالمترجمون سيضطلعون بأدوارٍ أكبر وأكثر أهمية في استخدام مُخرجات الترجمة الآلية والعمل على مراجعتها وتنقيحها، لضمان الارتقاء بجودة النص المترجم، وملائمته للجمهور المستهدف.
تتابع المحميد حديثها بأنه "لكي تصبح مراجعًا ومحررًا متميزًا، عليك قبل ذلك أن تكون مترجمًا محترفًا ممتلكًا لأدواته في مجال الترجمة؛ كما يترجح أيضًا تزايد الحاجة إلى المترجمين المحترفين في عدد من المجالات المتخصصة كالنصوص القانونية والطبية التي يشيع فيها استخدام المُفردات والمصطلحات التخصصية والتي لا مجال لوقوع أخطاء في ترجمة نصوصها".
من منطلق ريادته في مجال الترجمة، يواصل معهد دراسات الترجمة التابع لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، جهوده الرامية إلى الاستفادة من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لمساعدة المترجمين التحريريين والفوريين على التميز في عملهم، علاوة على بناء القدرات المحلية المتقِنة للذكاء الاصطناعي ومختلف التقنيات الأخرى من أجل تلبية احتياجات المجتمع.
وتواصل ندى المحميد حديثها قائلة: "إننا في مركز الترجمة والتدريب التابع لمعهد دراسات الترجمة ندرِّب طلابنا وطالباتنا على الاستخدام الاحترافي لأحدث أدوات الترجمة بمساعدة الحاسوب، ونقدّم ورش عمل تدريبية للطلاب وغيرهم من المترجمين المتخصصين في سوق العمل".
تتابع:" نواظب كذلك على إنشاء ذاكرات الترجمة وقواعد المصطلحات الموثوقة في شتّى المجالات، من بينها المجالات الطبية والقانونية والرياضية؛ إذ تدعم هذه الذاكرات والقواعد المترجمين في إتمام مشروعات الترجمة المسندة إليهم بأعلى جودة وفي أقل وقت ممكن. ولن يُسهم هذا في تسريع إنجاز الترجمة بالنسبة لمتخصصي المجال فحسب، بل سيضمن لنا إخراج نص يتسم بالوضوح واتساق الأسلوب، فضلاً عن إرساء لغة مشتركة يمكن الاستعانة بها في المحتوى المنطوق والمكتوب المتعلق بالتكنولوجيا المساعِدة ميسورة الوصول".