للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
سماء لندن ملبّدة بالضباب الدخاني. لكن بعد جائحة كوفيد-19، شهدت المدن حول العالم إنخفاضًا في تلوث الهواء.
مصدر الصورة:PA Images، عبر موقع REUTERSتسلط الدكتورة ريما إسعيفان، رئيس قسم النشر الأكاديمي والدوريات بدار جامعة حمد بن خليفة للنشر، والأستاذ المشارك بهيئة التدريس في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، وأوائل المشاركين في البحوث حول التأثير البيئي للجائحة، الضوء على عملها من خلال هذا المقال، وتأمل أن تظهر إجراءات الإغلاق العلاقة الوطيدة بين الإنتاجية والمحافظة على الكوكب
ما الذي جعلك تقررين التركيز على التأثير البيئي للجائحة؟
مع انتشار جائحة كورونا (كوفيد -19) في العديد من البلدان حول العالم وما سببته من إغلاق كامل وشامل في بعض الدول وصناعاتها، بدأتُ في مراجعة التقارير المنشورة التي توثق الآثار المختلفة للجائحة. لاحظتُ، في ذلك الوقت، أن جميع البحوث المنشورة قد ركزت على معالجة الجانب الطبي أو الصحي للجائحة من حيث فهم أصل الفيروس وبنيته حتى نتمكن من إيجاد علاج له. لم يكن هناك بحوث تناقش تأثير فيروس (كوفيد -19) على البيئة، والأهم من ذلك هو تأثيره على الجودة النوعية للهواء على الرغم من وضوح تأثير الفيروس في هذا الصدد. فمع إغلاق المصانع، وإفراغ مراكز المدن، وإخلاء الطرق السريعة بسبب إجراءات البقاء في المنزل التي تم تنفيذها في جميع أنحاء العالم، حدث انخفاض كبير في تركيزات الملوثات. ولهذا السبب، وبصفتي باحثة في هذا المجال، قررت إعداد بعض الأعمال الرائدة لمناقشة التأثير البالغ لهذا الفيروس على البيئة ككل، وعلى الاقتصادات بشكل خاص.
لم يكن هناك بحوث تناقش تأثير فيروس (كوفيد -19) على البيئة، والأهم من ذلك هو تأثيره على الجودة النوعية للهواء على الرغم من وضوح تأثير الفيروس في هذا الصدد
ما المقاربة التي اتبعتيها في إجراء البحث؟
بحلول الوقت الذي كتبت فيه هذا البحث في مارس 2020، كانت منشورات وسائل الإعلام الإخبارية هي المتاحة فقط كأداة بحث، وحاول مقال واحد فقط تسليط الضوء على التأثير المحتمل لفيروس (كوفيد -19) على البيئة والاقتصاد. وقد كتب هذا التقرير جيف مكماهون ونشرته مجلة فوربس في أوائل مارس 2020.
وكان الدليل الوحيد المتاح آنذاك هو صور وكالة ناسا التي تُظهر الفرق في تركيز التلوث قبل هذا الفيروس وبعده، نظرًا لأن صور ناسا عالية الدقة ومعتمدة دوليًا. ركزت الصور التي جمعتها عن الجودة النوعية للهواء على خرائط الصين، التي كانت مركزًا لانتشار الجائحة آنذاك. كما اعتمدتُ أيضًا على تقارير الحالة اليومية التي تصدُرها منظمة الصحة العالمية لاستخراج البيانات الدقيقة التي تم الإبلاغ عنها وتحديثها يوميًا لإدراجها في تحليل النتائج. وكانت تقارير الحالة هذه، ولا تزال، معترفًا بها كمصدر موثوق به لإحصاءات العدوى اليومية، والحالات المتعافية، وعدد الوفيات في كل بلد.
سماء لندن ملبّدة بالضباب الدخاني. لكن بعد جائحة كوفيد-19، شهدت المدن حول العالم إنخفاضًا في تلوث الهواء.
ما هي النتائج الرئيسية والرسالة المهمة لبحثك في اعتقادك؟
تتعلق النتائج الرئيسية بنقطتين: أولًا، على الرغم من الآثار السلبية لفيروس (كوفيد -19) والتي جعلت منظمة الصحة العالمية تعلنه حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقًا دوليًا، فإن معدل الوفيات بسبب هذه العدوى لم يتجاوز 3.4 في المائة على مستوى العالم حتى 11 مارس 2020، وهو تاريخ تقييم المقال الذي كتبته. بينما ساهم معدل الوفيات الناجم عن تلوث الهواء المحيط في 7.6 في المائة من الوفيات في جميع أنحاء العالم منذ عام 2016.
وتتعلق النتيجة الرئيسية الثانية بتأثير الإغلاق الذي تم تطبيقه في العديد من البلدان حول العالم، والذي أدى إلى انخفاض كبير في مستوى تركيزات ملوثات الهواء خاصة تلك المتعلقة بالانبعاثات المرورية مثل أكاسيد النيتروجين. علاوةً على ذلك، تضمنت هذه الدارسة مقارنة الحقائق المتعلقة بالتركيبة السكانية للوفيات حسب الجنس والعمر والحالة الصحية قبل الإصابة وبعدها. وتأثر معدل الوفيات بسبب (كوفيد -19) (طبقًا لتقارير الحالة التي نشرتها منظمة الصحة العالمية في مارس 2020) بعاملين هما: العمر والحالة الصحية. وتظهر النتائج أن 75 في المائة من الوفيات كانت مرتبطة بحالات مصابة بأمراض قائمة، مع بلوغ الغالبية العظمى من هذه الفئة 80 عامًا وأكثر.
في النهاية، يمكننا الاستفادة من إعادة النظر في هذه الدراسة في المستقبل - في غضون عام واحد مثلًا - للتأكد من مدى استمرارية هذه النتائج. إذ أن معدلات العدوى والوفيات في جميع أنحاء العالم قد ارتفعت بشدة منذ نشر هذه الدراسة وحتى الآن. سنحتاج إلى النظر في النسب المئوية الجديدة مرة أخرى لمعرفة ما إذا كانت هذه النتائج صحيحة. حتى إذا لم تكن كذلك، تبقى الدراسة مهمة في عرض الآثار السلبية الشديدة لتلوث الهواء على الصحة وكيف أدى تقليل الانبعاثات إلى تحسين الجودة النوعية للهواء بشكل كبير.
على الرغم من انخفاض نسبة تلوث الهواء المحيط بسبب فيروس (كوفيد -19)، فهل يمكن أن يكون هذا توجها طويل الأجل، أم أنكِ تخشين أن يعود العالم ببساطة إلى العمل كالمعتاد؟
هذه إحدى القضايا الرئيسية قيد المناقشة في أروقة مجتمع البحوث وصانعي السياسات في جميع أنحاء العالم. فرغم التحقق من الآثار قصيرة المدى لممارسات الإغلاق المتعلقة بفيروس (كوفيد -19)، إلا أن التأثير طويل المدى لا يمكن التنبؤ به، خاصة إذا عادت الحياة إلى طبيعتها بمجرد انتهاء هذه الأزمة. ولكننا نتحمل جميعًا - بما في ذلك حكوماتنا - مسؤولية تنفيذ تدابير أكثر صرامة بشأن استخدام وسائل النقل والأنشطة الأخرى المنتجة للانبعاثات، حيث يمكن تحقيق التوازن بين الإنتاجية ومستوى مقبول للجودة النوعية للهواء. فعلى سبيل المثال، استمرت الصناعات في جميع أنحاء العالم في العمل حتى مع تحول النشاط إلى الإنترنت.
فلنتخيل التأثير الحاصل إذا استمر نصف القوى العاملة العالمية في العمل من المنزل عندما ينتهي هذا الوباء، إذ يمكن حينها تقليل التلوث الناتج عن المسافرين بشكل كبير. أكثر ما أظهره لنا فيروس (كوفيد -19) هو أننا نستطيع التغيير مع الاستمرار في الإنتاجية كمجتمع ككل والحفاظ في الوقت نفسه على البيئة. آمل عندما تنتهي هذه الأزمة أن نتعلم من هذه التجربة ونتخذ خيارات أفضل، كأفراد وكصانعي سياسات، لمحاولة الحفاظ على بعض الآثار الإيجابية التي خلفها الفيروس.
رغم التحقق من الآثار قصيرة المدى لممارسات الإغلاق المتعلقة بفيروس (كوفيد -19)، إلا أن التأثير طويل المدى لا يمكن التنبؤ به، خاصة إذا عادت الحياة إلى طبيعتها بمجرد انتهاء هذه الأزمة
هل تشعرين أن السؤال عما إذا كانت رداءة الجودة النوعية للهواء قد ساهمت في انتشار الوباء سيتم معالجته بشكل جدي وصحيح، أم أن هناك خطر قائم من احتمال التغاضي عنه؟
أصبح البحث المتعلق بدور رداءة الجودة النوعية للهواء في انتشار هذا الفيروس محور اهتمام العديد من الباحثين مؤخرًا. وقد تلقيت اتصالات من ناشرين دوليين لإجراء مراجعة النظراء للبحوث المقدمة التي تناولت العلاقة بين رداءة الجودة النوعية للهواء وانتشار فيروس (كوفيد -19).
وقد أفادت إحدى الفرضيات البحثية الأولى القائمة على الأدلة التي استعرضتها ضمن مراجعة النظراء بالدور المحتمل للجسيمات - مثل الغبار وجزيئات الدخان - في انتشار هذا الفيروس شمال إيطاليا. إذ وجد المؤلفون ارتباطًا مهمًا بين التوزيع الجغرافي لتجاوزات الجسيمات الخشنة اليومية وانتشار الفيروس في 110 مقاطعة إيطالية تغطيها هذه الدراسات. وقد أكد ذلك المخاوف المتعلقة بالارتباط بين معدلات الوفيات المرتفعة بسبب هذا الفيروس التي لوحظت في شمال إيطاليا ومناطق تتواجد فيها تركيزات الجسيمات بنسب أعلى . كما أشار بحث آخر قمت بمراجعته مؤخرًا، بناءً على البيانات التي تم الحصول عليها عبر الإنترنت في الهند، التوافق بين زيادة تركيز ثاني أكسيد النيتروجين في الغلاف الجوي والارتفاع في عدد وفيات فيروس كوفيد -19 ومعدل الوفيات في الهند.
على الرغم من مشهد السماء الصافية في أفق المدن نتيجة الجائحة، تقول الدكتورة إسعيفان أنه لا يُمكننا توقع الآثار البيئية بعيدة المدى، لاسيّما إذا ما عادت الحياة إلى "الوضع الطبيعي السابق" بعد إنتهاء الأزمة. مصدر الصورة: Latin America News Agency، عبر موقع REUTERS
لذلك، وعلى الرغم من أنه قد ثبت منذ فترة طويلة أن رداءة الجودة النوعية للهواء تسبب آثارًا صحية قصيرة وطويلة المدى، بما في ذلك الوفيات وسرطان الرئة، فإن الجهود البحثية الحالية قد ألقت مزيدًا من الضوء على دور هذه الملوثات في زيادة سرعة انتشار فيروس (كوفيد -19) وزيادة تأثيره على صحة الأفراد.
أكثر ما أظهره لنا فيروس (كوفيد -19) هو أننا نستطيع التغيير مع الاستمرار في الإنتاجية كمجتمع ككل والحفاظ في الوقت نفسه على البيئة
ما مدى حاجة هذا النوع من البحوث إلى المزيد من المتابعة والمضي قدمًا؟
أعتقد أن مقالتي قد ساعدت في الكثير من المنشورات حول العالم، وهو ما يظهر من خلال التعليقات المستمرة التي أتلقاها، ومعدل الاقتباس المرتفع من هذا العمل، والعدد المتزايد من طلبات مراجعة النظراء للأبحاث المماثلة التي تلت من جميع أنحاء العالم. ويحاول المجتمع العالمي التركيز على الوضع في كل دولة ودراسة تأثير (كوفيد -19) على الجودة النوعية للهواء والعكس صحيح.
في الوقت نفسه، نتعاون مع باحثين من الولايات المتحدة وأفريقيا للتحقيق في تأثير فيروس (كوفيد -19) في تلك المناطق. وهذا أمر بالغ الأهمية لأن الولايات المتحدة والعديد من البلدان في أفريقيا لم تطبق ممارسات إغلاق كاملة، ومع ذلك أظهر الانخفاض في أنشطة مثل النقل بعض التأثير الإيجابي على الجودة النوعية للهواء ولذا ينبغي مناقشة ذلك بالتفصيل.
كما نحتاج أيضًا إلى توسيع نطاق هذا البحث باستخدام البيانات الفعلية وتركيز الملوثات قبل الجائحة وبعدها من أجل استخراج نتائج سليمة. ويجب مشاركة النتائج محليًا وعالميًا للتوصية بمزيد من التدابير للحد من تأثير تلوث الهواء، وبشكل أكثر تحديدًا بمجرد إزالة الإغلاق وعودة الحياة إلى طبيعتها - أو "الوضع الطبيعي الجديد".