للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
ليث أبو رداد، البروفيسور في وايل كورنيل للطب – قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، يقول إن الخطر الناشئ عن عدم تلقي لقاح (كوفيد-19) أكبر بكثير من أي خطر مرتبط بتلقي اللقاح
تعد اللقاحات أحد أهم إنجازات الحضارة الإنسانية في مجال الطب، فلا يوجد إنجاز طبي يضاهيه من حيث التأثير على تعزيز صحة البشر. لماذا يتردد الناس إذن في تلقي لقاح (كوفيد-19)؟
يقول البروفيسور ليث أبو رداد، أستاذ الصحة العامة المشارك وكبير الباحثين في مجموعة دراسة الأمراض المُعدية ومدير مختبر بحوث الإحصاءات الحيوية والأمراض الوبائية والرياضيات الحيوية في وايل كورنيل للطب – قطر، وأستاذ مساعد بكلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة: "لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في إحداث هذه الفوضى، حيث غالبًا ما تؤدي الصيغة القصيرة التي تتسم بها وسائل التواصل إلى أخذ الأمور خارج سياقها".
ليث أبو رداد
مثال حديث على ذلك، الأخبار التي انتشرت بشكل واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول وفاة ستة مشاركين في تجربة لقاح "فايزر"، حيث قرأ الكثيرون العنوان الرئيسي فقط، وهو عنوان مضلل إلى حد ما، بينما في الحقيقة أن أربعة منهم كانوا في المجموعة التي تلقت العلاج الوهمي، أي أنه تم حقنهم بمحلول ملحي بدلًا من اللقاح، وكان اثنان منهم فقط في مجموعة اللقاح، ولم تكن أسباب هذه الوفيات متعلقة باللقاح.
يبدو أن أكبر المخاوف تأتي من سرعة تطوير لقاح (كوفيد-19)، حيث تأخذ اللقاحات في العادة سنوات طويلة لتطويرها، فكيف تم تطوير هذا اللقاح في أقل من سنة واحدة؟
قال البروفيسور أبو رداد: "إن تقنية mRNAأو-الرنا المرسال أو الحمض النووي الريبوزي المرسال- التي استخدمتها فايزر وموديرنا في لقاح كوفيد-19 كانت قيد التطوير لأكثر من سنوات عدة. فعندما انتشر فيروس سارس أو المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة، كانت آليات عمل اللقاح مفهومة جيدًا. وكانت التكنولوجيا جاهزة لإعادة توظيفها لعلاج كوفيد-19. إن الوقت الفعلي الذي استُغرق لتطوير اللقاح قصير جدًا، حيث تم تطوير لقاح موديرنا في غضون أيام. وتم تكريس الوقت المتبقي للتأكد من أن اللقاح آمن من خلال إجراء دراسات وتجارب سريرية دقيقة".
لم يتم اتخاذ طرق مختصرة بسبب الوقت، فإن الحاجة الملحة إلى تطوير لقاح ضمنت تنفيذه بطريقة فعالة للغاية
وأشار البروفيسور أبو رداد إنه ليس من الحكمة مقارنة تطوير هذا اللقاح باللقاحات في الماضي: "السبب ببساطة هو أن خطورة هذا الوباء لا تضاهى أي شيء شهدناه منذ زمن طويل في عصرنا الحالي، وبالتالي كانت الموارد المالية والتكنولوجية التي جعلت تطوير اللقاح أولوية قصوى، لم يسبق لها مثيل".
عادة ما يعني نقص التمويل وعدد المشاركين أن توظيف واختبار عدد كافٍ من الأشخاص المطلوبين لتنفيذ تجارب سريرية كبيرة قد يستغرق عدة سنوات. ومع ذلك، فإن خطورة (كوفيد-19) وسرعة انتشاره، فضلًا عن العواقب الوخيمة التي انعكست على المجتمعات والاقتصاد العالمي، أدت إلى جمع أموال بشكل طارئ واستقطاب أعداد هائلة من المرضى في غضون أسابيع.
وأضاف البروفيسور أبو رداد: "لم يتم اتخاذ طرق مختصرة بسبب الوقت، فإن الحاجة الملحة إلى تطوير لقاح ضمنت تنفيذه بطريقة فعالة للغاية".
والأمر مرتبط بتقدير المخاطر المحتملة، ومن الناحية الواقعية، فإن خطر الإصابة بـفيروس كوفيد-19 أعلى بكثير من مخاطر الآثار الجانبية المرتبطة باللقاح
تعد الآثار الجانبية طويلة المدى للقاح مصدر قلق لكثير من الناس. حيث جرت مراقبة المشاركين في التجارب السريرية لكلا اللقاحين لمدة شهرين، ولكن هل هذا كافٍ لاستبعاد الآثار الجانبية طويلة المدى؟
في هذا السياق، يقول البروفيسور أبو رداد: "أظهرت البحوث السابقة في مجال تطوير اللقاحات أن الآثار الجانبية الخطيرة، إن وُجدت، فإنها تظهر في غضون الأسابيع القليلة الأولى. وذلك لأن الآثار الجانبية تتعلق عادةً بالاستجابة المناعية للقاح والتي تحدث فقط في الأسابيع القليلة الأولى. وبما أن كلا التجربتين ضمنتا مراقبة المشاركين خلال مرحلة الاستجابة المناعية، أي أول شهرين، ولم يتم الإبلاغ عن أي آثار جانبية، فإنه من غير المرجح أن تظهر آثار طويلة المدى. والأمر مرتبط بتقدير المخاطر المحتملة، ومن الناحية الواقعية، فإن خطر الإصابة بـفيروس كوفيد-19 أعلى بكثير من مخاطر الآثار الجانبية المرتبطة باللقاح".
مصدر الصورة: Carlos l Vives، عبر موقع Shutterstock
من الناحية التقنية، فمن المفترض أن يكون تصميم لقاح mRNA الجديد من حيث المبدأ أكثر أمانًا من التصميمات السابقة. فعادةً ما تتكون اللقاحات من فيروس ضعيف، يؤدي إلى تنشيط جهاز المناعة، وليس هذا هو الحال مع لقاحات mRNA لفيروس (كوفيد-19).
يقول البروفيسور أبو رداد: "لقاحات mRNA لا تحتوي في الواقع على الفيروس، بل تحتوي فقط على تعليمات تسمح لخلايانا بصنع مادة غير ضارة مما يسمى بروتين سبايك الموجود على سطح فيروس (كوفيد-19) وسرعان ما يتعرف الجهاز المناعي على هذا البروتين ويبدأ في إنتاج أجسام مضادة لتوليد استجابة مناعية، مثلما يحدث عند الإصابة الطبيعية بفيروس كوفيد-19 لكن دون وجود الفيروس".
إذ يحتاج الأشخاص الذين يرفضون تلقي اللقاح إلى إدراك العواقب السلبية التي قد يخلّفها قرارهم على الأفراد الذين ليس لديهم المناعة الكافية في مجتمعاتهم
وعند سؤال البروفيسور أبو رداد عما إذا كان سيتلقّى اللقاح بنفسه، أجاب: "نعم بالتأكيد دون تردد. لدي خياران. الأول هو تلقي اللقاح الذي اجتاز تجارب سريرية دون مخاوف تتعلق بالسلامة ومن المرجح جدًا أن يحميني. والخيار الآخر هو البقاء دون اللقاح وزيادة خطر إصابتي بفيروس خطير، وربما المعاناة من عواقبه على المدى الطويل، وربما الموت. فالخيار العقلاني هو أخذ اللقاح".
يعتقد البروفيسور أبو رداد أن التطعيم أو عدم التطعيم هو اختيار شخصي. إلا أنه في هذه الحالة "يتجاوز ذلك لسبب بسيط وهو عواقبه المباشرة على الصحة العامة. إذ يحتاج الأشخاص الذين يرفضون تلقي اللقاح إلى إدراك العواقب السلبية التي قد يخلّفها قرارهم على الأفراد الذين ليس لديهم المناعة الكافية في مجتمعاتهم. ورفضنا للقاح لن يسمح لنا بتطوير مناعة القطيع، مما يتسبب في المزيد من الوفيات التي بالإمكان تلافيها".
يقول خبراء الصحة العامة إنه يجب تطعيم 70% على الأقل من أي مجتمع بلقاح (كوفيد-19) لتحقيق مستوى مقبول من مناعة القطيع من أجل حماية أفراده.