للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
تتحدث الطالبة جوانا خطيب من جامعة كارنيجي ميلون في قطر، والتي غادرت الولايات المتحدة لمتابعة تعليمها في مؤسسة قطر عن أهمية العلوم في حياة المرأة
عندما كنت صغيرة، كانوا ينادونني بأسماء عديدة، مثل" أميرة، جميلة، فاتنة"، وكان ذلك، كما هي حال كل فتاة في عمري، يشعرني أنني مميزة، لكنني كنت كلما كبرت أكثر، كلما اكتشفت أن عالم الأميرات لا يشبهني، وكلما زاد إصراري على أن أكون الفتاة التي تفكر وتحلل وتستكشف، وهذا ما قادني إلى عالم أجمل بكثير، وهو عالم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
ومنذ أن اخترت مساري، بدأت باكتشاف إمكانياتي أكثر، لقد عززت أسرتي شغفي بالتعليم، وكذلك فعلت مُعلماتي في المرحلة الإعدادية في مدرستي: "القرية الصغيرة في سوريا، وأيضًا في المرحلة الثانوية التي قضيتها في بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتقالنا لاحقًا للعيش فيها. فنشأت وأنا أؤمن بقدراتي وعزمي على أن أن أكون:" العالمة أو الطبيبة أو خبيرة علوم الأحياء" وغيرها! لقد كانت فكرة تواجدي في مختبر ما أو وسط فريق علمي أو طبي، تثير حماستي لأن أدرس وأجتهد وأطور نفسي.
جوانا خطيب
على الرغم من أننا، كمجتمعات عربية، حققنا تقدمًا ملحوظًا في مجال التعليم، وأصبحت الفتاة تتعلم وتعمل وتشارك في أدوار مجتمعية فاعلة، إلا أننا ما زلنا نعتقد أن كل ما هو معقد وصعب لا يليق بنا نحن الإناث، وهذه فكرة خاطئة تمامًا وغير منصفة.
وللأسف، اليوم في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي ساهمت في تعزيز الصورة النمطية عن اهتمام الفتيات بالجمال والأناقة، كل ذلك جعل التحديات أمام بنات جيلنا أكبر، ولأنني واحدة منهن، فإنني أعتز بنجاحي في تجاوز هذا التحدي.
هناك اقتباس شهير لعالمة الفيزياء إليزابيث بلاكبيرن:" أذكر أنني لم أرغب في أن أعرف الأسماء الظاهرة للأشياء وحسب، بل أردت أن أعرف كيف تعمل". قد يكون هناك جانب مشترك بين العلوم والجمال. الظواهر الفيزيائية مذهلة إذا شاهدناها تحدث، لكن إذا اكتشفنا كيفية عملها، فسيكون هذا أكثر إثارة للدهشة، تمامًا مثل أي فتاة، كلما كانت أعمق من الداخل كلما كانت أكثر جمالًا.
في اليوم العالمي للمرأة والفتاة في مجال العلوم، لا بد أن ندرك أن التمييز بين الإناث والذكور في القدرات العلمية لم يعد مقبولًا، في رأيي لا يجب أن يكون هناك حدود أمام الفتيات، وخصوصًا أن العديد من النساء الرائدات في مجال العلوم أثبتن حجم قدراتهن العلمية، بدءًا من روزاليند فرانكلين في عام 1958 التي تم إخفاء اسمها خلف واتسون وكريك لجائزة نوبل لاكتشاف التركيب الجزيئي للحمض النووي، وصولًا إلى الدكتورة جينيفر دودنا التي حصلت مؤخرًا على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020.
إن التعرّف على إنجازات النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، سواء حول العالم أو في عالمنا العربي، أو في دولة قطر التي تقدم نماذج عديدة عن النساء الناجحات في هذا المجال، يمثل دافعًا لنا نحن الفتيات اللواتي اخترن مجال العلوم، لأن نثبت، من خلال التعلم والخبرة، بأن هذه الصورة النمطية خاطئة.
لا أنكر أنني كنت أشعر بالامتنان لسماع مجاملات من الآخرين حول مظهري وأناقتي، ولكن تلك التي كانت تؤثر بي حقًا، كانت عبارات مثل:" أنتِ فتاة ذكية، طموحة، وشجاعة". تلك العبارات كانت تجعلني أشعر بقيمتي وباستقلاليتي أكثر.
تلك الاستقلالية، التي رافقتني خلال دراستي الثانوية في الولايات المتحدة، والتي بفضلها، اتخذت أفضل قرار في حياتي، حين قررت الانتقال إلى قطر، وتحديدًا إلى المدينة التعليمية، من أجل متابعة دراستي الجامعية في جامعة كارنيجي ميلون في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر.
خلال بحثي عن مزيج مثالي لتحدي نفسي وسط بيئة تعليمية مثالية، بدت الدراسة في مؤسسة قطر خيارًا رائعًا. فالمؤسسة تقدم هذا المزيج في تجربة أكاديمية استثنائية، وهو ما شكل لي عنصر الدفاع عن قراري أمام أفراد أسرتي، مع تجربة شقيقي الذي تخرج من جامعة جورجتاون في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، وهكذا لم يكن اقناعهم صعب، مع تحملي المسؤولية الكاملة عن هذا القرار. علاوة على ذلك، فإن إيمانهم بمدى جدية دراستي ومدى حماسي للمطالبة بالفرص التي أتيحت لي لدفع نفسي قدمًا منحني موافقتهم.
بمجرد وصولي إلى المدينة التعليمية، وتواصلي مع أفراد مجتمعها، من زملاء وأساتذة، بدأت رحلة ممتعة من نهل المعرفة والتجارب والتواصل، والتعلم مدى الحياة.
في جامعة كارنيجي ميلون في قطر، تمتلك كل أنثى سواء أكانت أستاذة أو زميلة أو موظفة، القدرة على تلبية توقعات المجتمع منها، بل وتتجاوزها، محققة التوازن المثالي بين حياتهن المهنية والأكاديمية وأدوارهن كأمهات وسيدات ناجحات في المجتمع. لقد تعلمت منهن الكثير، ليس في الفصول الدراسية وحسب، بل من خلال التواصل معهن بشكل مستمر، واستكشافي لحجم الطموح الذي قادهن إلى تحقيق هذا التوازن المذهل بين كل مجالات حياتهن.
وفي جامعة كارنيجي ميلون في قطر، تخصصت في دراسة العلوم البيولوجية، وعملت كمساعد دكتور جامعي لأكثر من مادة، ومسؤولة شؤون الطلاب في السكن الجامعي. من خلال هذه الأدوار شكلت روابط اجتماعية هادفة، جعلتني أشعر أنني في بيتي الثاني.
عبر دراستي في هذه الجامعة زاد اهتمامي في الطب وبعض الاختصاصات الدقيقة في العلوم البيولوجية. من أكثر الخبرات التي عززت هذا الاهتمام كانت من خلال بحثي الجامعي في سرطان القولون والمستقيم، ومادة علم وظائف الأعضاء، ومادة هندسة الخلايا الجذعية، ومادة البيولوجيا الاصطناعية، والمواد الحالية التي أدرسها في علم الأحياء الحسابي والذكاء الاصطناعي في الطب.
انتشار جائحة كوفيد-19 حول العالم كان له التأثير المباشر علينا نحن الطلاب المتخصصين في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، حيث فتح أعيننا على حجم الفرص التي يمكننا من خلالها المساهمة في الحد من انتشار هذا الوباء من خلال المشاركة في الأبحاث وتطوير الأدوية الدقيقة والأجهزة الطبية.
بالنسبة لي، أخطط بعد تخرجي هذا العام للعمل في شركات الأدوية، مع مواصلة رحلتي في البحوث، وخاصة أبحاث السرطان. كما أهدف، من خلال تواجدي في المجال العلمي، إلى جعل الوصول إلى الرعاية الصحية متاح للجميع.
في اليوم العالمي للمرأة والفتاة في مجال العلوم، أدعو كل فتاة لديها شغف بالعلوم بأن تؤمن بنفسها وبقدراتها. مع الطموح والعمل الجاد نحقق ما نريد، ولا يمكن لأي صور نمطية أن تحد من طموحاتنا وأن تحدد أحلامنا.