إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | التعليم
26 September 2019

عندما يتبدّد الظلام بشمول الرؤية: قصص نجاح طلاب مكفوفين بالمدينة التعليمية

مشاركة

عندما وُلدت خنساء ماريا وشقيقها وهما مكفوفا البصر، عمد والدهما إلى ترك كنف العائلة، اعتقادًا منه أن طفليه هذين لن يتمكنا من تحقيق أي إنجاز يذكر في الحياة جراء افتقارهما لحاسة البصر.

ومع مرور الوقت، تفاجأت خنساء بأن والدها لم يكن الوحيد الذي لم يؤمن بقدراتها؛ فعندما تقدّمت بطلب الالتحاق إلى بعض المدارس كان مآل طلبها الرفض بداعي إعاقتها البصرية.

قالت خنساء ماريا: "أرادت والدتي أن تثبت لي خطأ توقعات المجتمع بشأن الأطفال ذوي الإعاقة، ورأت أن الطريقة الوحيدة لإثبات ذلك هو الحرص على إلحاقنا بمدارس عمومية وليس مدارس خاصة، بحيث يتسنى لنا نيل شهادات علمية تلائم وضعنا مع القدرة على أن نتكفل بأنفسنا في المستقبل".

وهكذا التحقت خنساء، التي وُلدت وترعرعت في باكستان، بواحدة من أكثر المدارس تنافسية في لاهور، على الرغم من أن الإدارة هناك انتابتها شكوك بشأن نجاحها، لكونها أول طالبة كفيفة جرى قبولها في تلك المدرسة.

Maria aspires to be a disability consultant in future and work with firms to make their products and services friendly for people with disabilities.

ومع ذلك، استطاعت خنساء ماريا تخطي الصعاب كلها، وأضحت بعد اجتيازها مواد المستوى الأول حسب نظام التعليم البريطاني واحدةً من أفضل الطلاب المتميزين في اختبارات كامبريدج الدولية، بل وحصلت أيضًا على تتويج على مستوى وطني نظير تفوقها في مواد المستوى الأول. واليوم تواصل خنساء مسيرتها التعليمية من خلال التخصص في شعبة السياسة الدولية بجامعة جورجتاون في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر.

وخلال عاميها الأولين في رحاب المدينة التعليمية، شاركت خنساء ماريا في العديد من مسابقات المناظرات، حيث فازت بالبطولة الوطنية التي ينظّمها مركز مناظرات قطر، وسافرت إلى اليونان لأغراض التعلّم من خلال خدمة المجتمع، كما ألقت حديثًا في مؤتمر "تيدكس"، وحصلت أيضًا على تدريب في مركز قطر للتطوير المهني، عضو مؤسسة قطر.

يتفاجأ الناس عندما أخبرهم بأنني أستخدم موقع يوتيوب للاستماع إلى بعض المواد الصوتية، أو عندما أتحدث عن الأفلام أو هاري بوتر. ما أطلبه هو أن يعاملني الناس بدون تكلّف.

خنساء ماريا

وفي هذا الصدد، قالت خنساء: "لم يكن في نيتي السفر إلى دولة قطر، لكنني عندما حللت بجامعة جورجتاون في قطر برفقة والدتي ضمن برنامج سفير جورجتاون للقبول، وبعد أن قابلنا بعض الأشخاص هنا، أدركنا كم هي جيدة هذه البيئة. وقررتُ البقاء في هذه الجامعة لأنها ذات آفاق رحبة، زيادةً على أن فصول الدارسة صغيرة من حيث الحجم، والمساعدات المالية متوفرة".

وأكّدت أن "لدولة قطر ميزة فريدة: فهنا بإمكانك الحصول على شهادة من الولايات المتحدة الأمريكية بينما تتابع دراستك قريبًا من وطنك في بيئة تتسم بالتنوع".

خنساء ما هي إلا نموذج من بين نماذج عديدة لطلاب المدينة التعليمية ذوي الإعاقة البصرية الذين قرروا الالتحاق بجامعات مؤسسة قطر لتحقيق طموحاتهم الأكاديمية. فمِثلها خلود أبو شريدة، التي ولدت كفيفة وحصلت على درجة الماجستير في دراسات الترجمة من جامعة حمد بن خليفة، وقالت إن الفترة التي قضتها في المدينة التعليمية حفزتها على متابعة شغفها بالكتابة. ومن خلال قصائدها وقصصها القصيرة، سعت إلى خلق شخوص فلسفية تجسد المشاعر والروابط العميقة مع الآباء والسكن والوطن.

تخطط خلود أبو شريدة لتوظيف شهادة الماجستير في دراسات الترجمة لإنتاج أفلام يعود دور البطولة فيها إلى نساء مكفوفات.

وعن الفترة التي قضتها في جامعة حمد بن خليفة، قالت خلود: "أن نوعية التعليم الذي تلقيته في مؤسسة قطر فتحت أمامي أبوابًا كثيرةً وجعلتني أكثر طموحًا ورغبة في المضي قدمًا. وأخطط حاليًا لاستكمال دراستي لأحصل على درجة الدكتوراه في الكتابة الإبداعية، ومن ثم أصبح كاتبة وأترجم كتاباتي".

لدى خلود أبو شريدة عشرة أشقاء، ثلاثة منهم مكفوفون. والتحقت خلود بمدرسة للمكفوفين في البحرين مع إحدى شقيقاتها التي تعاني من العرض الصحي نفسه، والتي تعتبرها أقرب الناس إليها وخير سند لها طوال فترة حياتها الأكاديمية.

وعن تعلّقها بأشقائها، قالت خلود: "لطالما كانت شقيقتي المكفوفة تحثني على العمل بدون تسويف، لأنني كنت أماطل كثيرًا في أداء واجباتي، ولطالما كانت أخواتي المبصرات تساعدنني في التنسيق بين ألوان فساتيني وملحقاتها، وكذلك في التسوق ووضع مساحيق التجميل".

تستحضر الطالبة أن "أمي غرست فضيلة الإيمان بأهمية التعليم في نفوس أبنائها جميعًا، المكفوفين منهم والمبصرين على حد سواء".

وعن مسارها التعليمي، اعتبرت خلود أبو شريدة أن الحجم المحدود لفصول جامعات المدينة التعليمية وأواصر التلاحم بين أفرادها أسهما في مساعدتها على خوض غمار تجربتها الجامعية بدون صعوبات تذكر.

وقد شرحت ذلك الأمر قائلةً: "عندما يكون عدد الطلاب محدودًا، تتحقق لك استفادة أكبر من هذه البيئة، لأنك تركّز بشكل أفضل على ما يقوله الأساتذة والعميد والإداريون. هذا المكان أحبّني وأحببته، حتى إنني أشعر الآن بالانتماء الشديد إليه".

تعمد خنساء ماريا إلى استعمال تقنيات من قبيل برنامج تحويل النص إلى كلام في عملها الجامعي اليومي.

وتُجمع كل من خنساء ماريا وخلود أبو شريدة على أن الكلية التي درستا فيها قدمت لهما كل المساعدة المطلوبة، سواءً المتعلقة بالتنقل بين الفصول الدراسية، أو التزود بكتب صوتية، أو الحصول على نسخ مطبوعة للدروس، أو طريقة تحرير الامتحانات المكتوبة.

إزالة الحرج الاجتماعي

صحيح أن خنساء ماريا وخلود أبو شريدة تنحدران من ثقافتين مختلفتين، لكنهما واجهتا تحديات متشابهة بخصوص مواجهة الحرج الاجتماعي الذي يعاني الأشخاص ذوي الإعاقة من مواجهته.

وقد أوضحت ذلك خلود قائلةً: "لا أرغب في حضور التجمعات الكبيرة، لأنني أشعر أن حضوري يكون ذا طابع شكلي غالبًا؛ إذ لا أحد يرغب في التفاعل معي، فقد يتحدث الناس مع أصدقائي ويتجاهلونني"، مضيفةً أن إعاقتها أحيانًا ما تجعل الناس يترددون في تجاذب أطراف الحديث معها.

أما خنساء ماريا، فتقول من جانبها: "يتفاجأ الناس عندما أخبرهم بأنني أستخدم موقع يوتيوب للاستماع إلى بعض المواد الصوتية، أو عندما أتحدث عن الأفلام أو هاري بوتر". وشددت على أن ما تطلبه كشخص مكفوف هو "أن يعاملني الناس بدون كلفة، شأني شأن أي شخص آخر. ولا ضير عندي في التلفظ بكلمات من قبيل "انظر" و "تبدو". أنا شخص مثلكم تمامًا وأتقاسم معكم الاستمتاع بالأشياء نفسها".

واستطردت خنساء أنه على الرغم من الدعم الذي لقيته من أفراد مجتمع المدينة التعليمية، إلا أنها لا تزال تواجه صعوبات وتحديات إزاء القيام ببعض المهام اليومية، مثل استخدام اللوحات للتحكم في الإضاءة، أو غسل الملابس في السكن الطلابي، أو السير إلى المباني التي لا تشملها خدمات حافلات النقل الطلابي. ومع ذلك، فإن مثل هذه التحديات لم تمنع ماريا من إنجاز كل هذه المهام بأسلوبها الخاص. وفي أماكن معينة لا تحمل إشارات مكتوبة بطريقة "برايل"، سواءً في مسكنها أو في غرفة الغسيل، قامت بوضع ملصقات محفورة.

تدين خنساء ماريا وخلود أبو شريدة بالفضل لمجتمع المدينة التعليمية المتلاحم في مساعدتهما على التنقل بين مرافق الجامعة رغم التحديات اليومية التي تواجههما.

اللافت هو أن خلود وخنساء، اللتين تحدوهما معًا الرغبة في الكتابة، مصممتان على الجمع بين تعليمهما وشغفهما المتمثّل في زيادة منسوب الوعي بأهمية استيعاب خصوصيات الأشخاص ذوي الإعاقة.

وخلال فترة تدريبها في مركز قطر للتطوير المهني، أشرفت خنساء ماريا على مجموعات تركيز شملت أشخاصًا من ذوي الإعاقة ومسؤولين من شركات مختلفة بدولة قطر؛ للإسهام في إنجاز تقرير حول التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوي الإعاقة بين أوساط القوى العاملة في قطر. واندرج التقرير ضمن أعمال لقاء شركاء التوجيه المهني في قطر، وهو برنامج تستضيفه مؤسسة قطر بالتعاون مع منظمة اليونسكو، ويهدف إلى تطوير نظام للتوجيه المهني في قطر وفق المعايير الدولية.

قالت خنساء ماريا: "أحب الرؤية التي تعتمد عليها مؤسسة قطر، لكونها تعمل بنشاط على إيجاد حلول للقضايا التي نواجهها. ومن أمثلة ذلك لقاء شركاء التوجيه المهني في قطر، الذي يسعى لفهم المشكلات وإيجاد حل لها". وأضافت أنها تتطلّع لشغل منصب مستشار في شؤون الإعاقة، والعمل مع شركات لبلورة منتجات وخدمات ملائمة للأشخاص ذوي الإعاقة.

والجدير بالذكر أن ماريا حصلت، إلى جانب طالب آخر واثنين من الأساتذة من جامعة جورجتاون في قطر، على منحة بحثية قدمها الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، عضو مؤسسة قطر، بهدف إنجاز دراسة حول مدى وأثر مبادرات دولة قطر لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في دينامية سوق العمل.

لم يسبق لي أن رأيت أميرة من إنتاج ديزني تعاني من إعاقة معينة. لذا قررتُ إنشاء شخصية أميرة كفيفة، حتى أجعل الذين على شاكلتي يشعرون بثقة أكبر.

خلود أبو شريدة

ومن جهة أخرى، وبفضل دراساتها وتجربتها ككاتبة سيناريو في تلفزيون "براعم"، الذي يبث برامجه باللغة العربية للأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، انكبت الطالبة خلود أبو شريدة على كتابة سيناريو لفيلم رسوم متحركة تنوي إنتاجه بشكل مستقل، وتدور أحداثه حول فتاة مكفوفة البصر أصبحت أميرة.

علّقت خلود على ذلك قائلةً: "أميرات ديزني جميلات ومثاليات، لكن لم يسبق لي أن رأيت أميرة منهن تعاني من إعاقة معينة. لذا قررتُ إنشاء شخصية أميرة كفيفة؛ حتى أجعل الذين على شاكلتي يشعرون بثقة أكبر وقدرة على إظهار جمالهن وما يمكنهن إنجازه".

هذه نسخة حديثة لمقال سبق نشره على موقع مؤسسة قطر في مايو 2018.

قصص ذات صلة