إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | التعليم
1 September 2020

خبير في اللغة العربية بمؤسسة قطر: "تنوع اللغة يجب أن يكون عامل إثراء لا عاملاً مثيراً للعنصرية"

مشاركة

مصدر الصورة: Omariam، عبر موقع Shutterstock

أسئلة وأجوبة مع الأستاذ محمد علي بحري، منسق اللغة العربية في معهد دراسات الترجمة التابع لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حمد بن خليفة

جميع اللغات تحتوي على مصطلحات وعبارات تغير معناها الأصلي وأصبحت ترتبط بمعان أخرى جديدة، وقد تكون سلبية أو تميل للعنصرية في بعض الأحيان، كيف تتعامل اللغة العربية مع هذه الظاهرة؟
ليس هناك خاصية معينة في العربية تجعلها تنحو نحو العنصرية أو تنحو ضدها، لكن لما كان العرب القدماء يتفاخرون بينهم بالأنساب وربما طغت المفاخرة لتصبح نوعًا من الشعور بالتفوق على الآخر وبأنه "دون" ظهرت نزعات عنصرية في المجتمع العربي عبرت عنها اللغة. أما عن وجود النزعة العنصرية في أدبنا فبرأيي أننا نجد هذا في الشعر العربي القديم ولا سيما في أغراض "الفخر والمديح والهجاء". ولأن المجتمع العربي قديمًا كان قائمًا على القبيلة والتغني بمآثرها كان ما يبدو من هذه النزعات مقبولاً حتى مجيء الإسلام الذي صحح المفاهيم وأعطى منظوراً آخر لكثير من القيم، وإن ظهرت بعده للأسف توجهات شعوبية أخرى.

الأستاذ محمد علي بحري، منسق اللغة العربية في معهد دراسات الترجمة التابع لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حمد بن خليفة.

فيما يتعلق بمصطلح "العنصرية" فهو مصطلح حديث الظهور، ولكن الكلمة (عنصر) وردت في المعجمات القديمة بمعنى الأصل. وما يعنينا هو وجود معنى العنصرية وإن لم تُسَمَّ بهذا الاسم في تاريخنا وأدبنا قديمًا. ومن المعروف أن هناك كلمات تتطور دلاليًا وتستعمل في عصر ثم يقلّ استعمالها أو يختفي في عصر آخر مع بقائها في اللغة.


قد نجد شكلًا من أشكال العنصرية أو التمييز العنصري في كل مكان وزمان حول العالم .. كيف أثر ذلك في تطور اللغة العربية؟

تكمن العنصرية في المجتمعات، لا في طبيعة اللغة؛ ولأن اللغة ظاهرة تخضع لِما تخضع له الظواهر الاجتماعية من التطور والتغير وربما الانقراض؛ فإن اللغة العربية يمكن أن تتطور في دلالات مفرداتها، ووفقًا لبعض اللغويين الذين درسوا طبيعة التغير الدلالي للمفردات فهو توسع للمفردة أو تضييق لمعناها أو غير ذلك، لكن المهم أن الناس هي التي تقوم بهذا التغيير بطريقة ما، وتُطلِق اللفظ على دلالة قريبة أو مختلفة عن المعنى الأصلي. هنا أضرب مثلاً لكلمة "أجنبي" التي نستعملها اليوم، فقد كانت قديما بمعنى المُجانِب أو غير القريب، فورد اللفظ في العقود وقالوا مثلاً: "لو أراد أجنبي أن يشتري حصة أحد الشريكين..." فقصدوا بالأجنبي الغريب عن العقد وليس من الشركاء، ولم يقصدوا به ما نعنيه اليوم.

ومن جانب آخر كانوا يطلقون على الأجنبي بتعبير اليوم لفظ "الأعجمي" والكلمة مأخوذة من العُجمة وهي عدم الإفصاح والبيان، والعرب تسمي الأعجمي من كان غير عربي؛ لأنهم رأوا أنْ ما من لغة كالعربية في بيانها وبلاغتها وفصاحتها، وربما أطلقوا كلمة "أعجمي" على الذي لا يُحسن البيان ولو كان عربيًا. لو نظرنا إلى منطقهم في تصنيف غير العربية بمنطق اليوم، وبأنها لغات أعجمية لا تستطيع الإبانة والإفصاح مقارنة بالعربية لقلنا، أو لربما قال أحدنا: هذه عنصرية. وهنا يجب أن نبين أن شعور الإنسان بأن هناك صفةً ما في مجتمع معين أو لغة معينة لا يعني بالضرورة عنصرية ما دام هذا الأمر في حجمه الطبيعي مجرد توصيف وليس تعاليًا أو شعوراً بدونية الآخَر بل باختلافه في صفة من الصفات. نعم اللغة سلاح ويمكن أن تكون عنصرية ويمكن ألا تكون، والأمر يخضع لثقافة من يحملها وتوازنه، وهذه الثقافة تتغير. والغريب أن الدراسات الحديثة في موضوع العنصرية واللغة العربية شبه غائبة فيما أعلم، مع أن هذا الموضوع مطروق في لغات أخرى، وربما كان لذلك عدة أسباب، منها قلة طرحنا لموضوع العنصرية أصلاً أو لأنها موجودة في عالمنا العربي بدرجة أقل من بعض بلاد الغرب مثلاً أو لغير ذلك.


هل ساهمت اللغة العربية في وضع القوالب النمطية والتحيزات العنصرية في المجتمع العربي؟
اللغة هي أداة التعبير، وعندما يدين الإنسان بفكرة أو اعتقاد لا بد أن يظهر هذا على لسانه مهما حاول إخفاءه، سيظهر في فلتات اللسان وما يسمى "لحْن القول"، واللغة لها دور في التنميط وهو يرجع إلى العقلية التي كثيراً ما تحكم على الأشياء حكمًا عامًا. يلفت نظري أن القرآن الكريم يذكر كثيراً "أكثرهم.. أكثر الناس .. أكثركم.." كأنه يعطينا عقلية عدم الوقوع في التعميم والتنميط. فالكلام إذاً مفتاح لمعرفة القائل بمستواه الفكري والاجتماعي؛ ولذلك ينتبه الناس للغتهم فيميلون لاستخدام لهجة أو لتجنب لهجة أخرى حتى لا يُنظر إليهم على أنهم من فئة لا يريدون الانتساب إليها بسبب التنميط الملصَق بأفرادها. ولو أننا تحلينا بالشجاعة الكافية لتركنا أعمالنا تتغلب على تنميط الناس لنا وهي ما يعبر عنا ولم نهتم كثيراً بإظهار لهجتنا أو إخفائها.

تحتلّ القوالب النمطية جزءًا من تفكيرنا ولا وعينا، وتعكسها لغتنا المحكية، فهل نستطيع القول إنّ للتحيز أو للتفرقة العنصرية أثرًا ضمنيًا على لغتنا العربية؟

إلى حد ما، نعم؛ لأنه سيؤدي إلى انتشار لهجة أو مجموعة كلمات واندثار لهجة أخرى أو تعبيرات. السبب ليس اللغة أصلاً لكنه التحيز أو التفرقة العنصرية. وهنا يبرز الارتباط الوثيق بين ثقافة المجتمع واللغة التي تنتشر بين أفراده.

هل تكفي دراسة العنصرية والتحيز والقوالب النمطية في الثقافة العربية من دون النظر في اللغة العربية ودورها وآثارها؟

اللغة هي إحدى انعكاسات العنصرية لكن علينا أن ننظر في الانعكاسات الأخرى التي قد تبرز في القوانين أحيانًا أو في التصرفات الشخصية للناس. هناك قضية أخرى هنا، وهي الهوية فاللغة مرتبطة بالهوية وهي إحدى مكوناتها، وربما في حرصنا على غرس الهوية ومكوناتها نجد أنفسنا نغرس العنصرية في أنفسنا. إذاً علينا أن نتجنب التطرّف في بناء هويتنا لنجعل من مكونات الهوية ملامح عنصرية في شخصية أبنائنا.


تؤدي اللغة دورًا حاسمًا في تشكيل عدة مفاهيم وتصنيفات للأشياء والعالم من حولنا، فهل تشكل اللغة العربية مفاهيم أو كلمات تعبر عن العنصرية؟
هناك كلمات في العربية كأي لغة أخرى قد نراها اليوم نوعًا من العنصرية. مثلاً يقول الناس: القِرْش الأبيض والصفحة البيضاء والقلب الأبيض والفارس الأبيض، حتى في بعض الكذب يقولون "كذبة بيضاء" كما يقولون من جانب آخر: اليوم الأسود والقائمة السوداء والسوق السوداء. ويجعلون في الغالب المحمود أبيض والمذموم أسود وربما تؤثر أمثال كهذه في لاوَعْيِنا أحيانًا، وطالما كان للألوان دلالات رمزية. وهنا علينا أن ننظر بعمق قليلاً ونسأل: هل اتخاذنا من الألوان رموزًا يجعلنا بالضرورة مهيئين للعنصرية؟ إذ يمكن أن يرِدَ اللون دليلاً عنصريًا كما يمكن أن يرِدَ مُحايِداً.

ولي أن أسأل مثلاً: هل سواد الحجر الأسود أمام الكعبة يجعل الناس يزهدون به؟ إذاً يمكن أن يُذكر اللون فتكون هناك عنصرية كقول أحدهم معيِّراً "يا ابن السوداء"، ويمكن ألا تكون، بل على العكس كما جاء في خطبة الوداع في قوله عليه الصلاة والسلام ((لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى)). نرى هنا أن ذكر اللون والعرق كان رفضاً للعنصرية وتثبيتًا لكرامة الإنسان، وهذا طبيعي بسبب عالمية الرسالة وإنسانيتها، ولا يمكن أن تلتقي الرسالة العالمية مع العنصرية، ولا يمكن أن يكون الخطاب إنسانياً عالمياً خالداً ويكون في الوقت نفسه عنصريًا. وربما هذا ما علينا أن نتعلمه في خطابنا اللغوي وفي أدبنا. ليكون أدبنا إنسانيًا عالميًا يجب أن يخلو من العنصرية.


كيف يمكننا التحكم بلغتنا العربية وباختيار الكلمات المحكية والتعبيرات في سبيل التقليل أو التخفيف من التحيّزات المجتمعية الناشئة بين الأفراد؟
يجب أن نضع في اعتبارنا الطريقة التي نعلم ونربي فيها أطفالنا وشبابنا، وألا نسمح لعالمَي الفن والإعلام أن يأخذانا نحو العنصرية بدون أن نشعر، سواء بلغة الكلمة أم بلغة الصورة. وعلى المعلمين والمربين أن ينتهبوا كثيراً للمفردات التي يستعملونها، وأن يثيروا لدى أبنائهم وطلابهم الأسئلة التي تنبههم للطريقة التي حكموا فيها على الأشخاص والأشياء، وعلى المفردات التي استعملوها في ذلك. ويُفترّض بأهل اللغة العربية وعلم الاجتماع أن يشحذوا الهمم لدراسة اللغة بعلاقتها بالمجتمع، ووضع الضوء على الكلمات التي لا نلتفت إليها وفيها ملمح عنصري، أو نقولها وفيها ملمح عادل ومتوازن وبعيد عن العنصرية. وهناك اليوم كتب ومقالات تتحدث عن الأمثال الشعبية والقيم الصحيحة أو الخاطئة التي ترد في بعضها.

في عالمنا العربي اليوم عشرات اللهجات فكيف نجعل من هذا الاختلاف عامل إثراء لا عاملاً مثيراً للعنصرية؟
أولاً بالعودة إلى المعيار الأساسي وهو أنْ لا فضل لإنسان على آخر بسبب لغته أو لهجته أو لونه أو عرقه، فكلنا من أصل واحد. ثانيًا بدراسة الألفاظ أو التراكيب أو الأمثال العنصرية في تراثنا الشعبي والأدبي والتنبيه إليها. ثالثًا اللغة والمجتمع مرتبطان فكما أن علينا أن نبحث في اللغة وأين تكمن العنصرية فيها علينا أن نبحث أيضًا في المجتمع وثقافته ونظمه وقوانينه وأين تكمن العنصرية في هذا. وهناك دائما خيط رفيع هو الحاجز بين الفخر بالشيء سواء أكان لغة أم هوية أم غير ذلك، وبين التعالي والعنصرية على الآخر. وعلينا جميعاً أفراداً ومؤسسات أن ندرك أهمية القسط والعدل بدءاً من الكلمة التي نتفوه بها وانتهاء بالقوانين الناظمة لحياتنا.

قصص ذات صلة