للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
جايلز دولي الذي قضى فترة طويلة من حياته في التصوير بمناطق النزاعات المسلحة يوضح أنه يسعى إلى توثيق الأمل بدلًا من الرعب وذلك خلال مشاركته في معرض من تنظيم مؤسسة قطر
عندما سُئل جايلز دولي عمّا إذ أُتيحت له إمكانية اختيار صورة واحدة من أعماله الفوتوغرافية ووضعها بشكل دائم في مكان ما، أين سيكون ذلك؟ وما هي تلك الصورة؟ لم يتردد في الإجابة لوهلة، قائلًا:"هي صورة طفل عراقي اسمه داوود، فَقد قدميه ويده
في حرب العراق. لم يتبق من أطراف داوود سوى يدِ واحدة رفع فيها علامة النصر. نصرٌ يُجسّد إيمان هذا الطفل بالسلام، الأمل، والبقاء على قيد الحياة. هذه الصورة تعني لي الكثير. العالم كلّه خذل داوود لكنّه لم يستسلم. لو تسنى لي وضع هذه الصورة في مكان واحد لاخترتُ غرفة نوم دونالد ترمب أو ربّما غرف نوم كلّ القادة السياسيين في العالم لتكون آخر لقطة يشهدون عليها قبل النوم، وأوّل ما يرونه عندما تُشرق الشمس. لأنهم يُدّمرون حياة ملايين الأطفال الأبرياء بالقرارات التي يتخذونها".
هذا ما عبّر عنه جايلز دولي المصور البريطاني الإنساني الفائز بجوائز عدّة، والمشارك في معرض نسقّه "ويش"، إحدى مبادرات مؤسسة قطر، واستضافته مطافئ الدوحة، بعنوان "الأبعاد الفنية لعالم أكثر صحة"، حيث تم تسليط الضوء على العلاقة بين الفن والصحة وتحديدًا في مناطق النزاعات. ويتضمن المعرض صورًا فوتوغرافية من مختلف أنحاء العالم تحكي قصص أُناس يعيشون في مناطق النزاعات المسلحة.
أعمال جايلز دولي عُرضت كجزء من معرض فني يستكشف العلاقة بين الصحة والفن من تنسيق مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية "ويش".
جايلز دولي الفائز بجائزة منظمة العفو الدولية المرموقة عن سلسلة أعماله التي تصور محنة وعزيمة اللاجئات في أنغولا، أبريل عام 2019، والذي يعمل مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تمنى أن يُصبح عاطلًا عن العمل، موضحًا: "أنا من المصورين القلائل الذين يعملون في مهنة توثيق توثيق حياة الناس في مناطق النزاعات. وعليه، أتمنى أن أصبح عاطلًا عن العمل؛ إذا لم يكن لديّ مهنة، هذا يعني أننّي حققتُ هدفي في الحياة، والذي يتمثل في تذكير الناس بأننا كلنا سواسية أينما كنّا".
الشغف هو الحافز
جايلز دولي الذي اختزل علاقته بالتصوير قائلًا:" كنتُ في الثامنة عشر عامًا عندما امتلكتُ عدستي، وحينها شعرت أنني امتلكتُ صوتي". على الرغم من إصابته بعبوة ناسفة في أفغانستان تسببت له بأذىً جسديّ بالغ نجم عنه فقدانه لقدميه ويده عام 2011، إلا أنه لم يستسلم، كاشفًا:" أنا أكثر الأشخاص عِندًا على الإطلاق، يقولون إنني شجاع، لكنّي إنسان عنيد جدًا، التصوير هو شغفي، وعنادي أبقاني صامدًا". وأضاف:" خضعتُ لـ 37 عملية جراحية، الأطباء في المستشفى وعدد من المحيطين بي كانوا يقولون إنني لن أتمكن من السير مجددًا ومن العمل. لم أستمع إليهم، بل كنتُ أبحث في داخلي عن كيفية استجابتي لهذا التحدّي"، مضيفًا:" مهما كانت الصعوبات والعوائق التي يمرّ بها الإنسان قاسية، مهما كان الأمر يبدو مستحيلاً في البداية، على الإنسان أن يستمر في إيمانه بشغفه وقدرته على مواجهة التحديات. الاستسلام سهل جدًا وأنا لا أؤمن به".
مهما كان الأمر يبدو مستحيلاً في البداية، على الإنسان أن يستمر في إيمانه بشغفه وقدرته على مواجهة التحديات.
في لمحة عن مهمّته الإنسانية في نقل قصص الناس الذين يعيشون بمناطق النزاعات المسلحة، يؤكد جايلز على أهمية كسب ثقة من يعيش تحت وطأة المعاناة قائلًا: "لا بدّ أن يؤمنوا بما أسعى إلى تحقيقه. ولهذا، فأنا أُشاركهم تفاصيل حياتهم اليومية مثل إعداد الطعام سويًا؛ أنصت لهم وأختارهم كما أختار أصدقائي، فلا اتبع معايير معينة في الاختيار؛ بل هو الحدس، وذلك الترابط العفوي الذي ينشأ بيني وبينهم". ويضيف:" العديد من السياسيين وصناع القرار في العالم يسعون إلى إقناعنا بأننا مختلفون، لكننا لسنا كذلك. نحن سواسية. إذا كنتُ في بيت من طين بالسودان أو خيمة في الأردن أو شقة في لندن، أرى العالم بعدسة واحدة، وهي: العائلة، الآمال، والأحلام".
المصور الإنساني يتمنى أن يُصبح عاطلًا عن العمل بإنهاء الحروب وتغطيتها وإنهاء النزاعات والمعاناة.
عدسة تلتقط المشاعر
في سؤالِ عمّا يُميّز أعماله مما نراه يوميًا من صور تتناقلها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي من مناطق النزاعات المسلحة، يقول جايلز:"لا أعتبر نفسي مصوّر حرب وإنما مصوّر حبّ، لأنني أوثق العلاقة داخل الأسرة، التقطُ لحظات تظهر فيها الجدّة وهي تسرّح شعر حفيدتها، وأبٍ يُدرّس ابنه مادة الرياضيات، وأمّ تُطعم ابنها. أغلب المصورين في مناطق النزاعات يلتقطون صورًا لحالات مفجعة ومرعبة تُدمي القلب. لكنني أسعى لأن أذكّر العالم أن هؤلاء الناس هم جزء منّا، والحب أيضًا موجود بينهم".
آمل أن يشعر الناس عندما يروون أعمالي أنهم متواجدون في المكان نفسه مع أصحاب الصورة. كل قصّة، وكلّ أسرة تبقى معي إلى الأبد
من يتجوّل في المعرض الذي يضمّ أعمالاً لجايلز، يلاحظ غَلبة اللونين الأبيض والأسود، ولدى سؤاله عن السبب، يقول:" الألوان تشوّش. الأبيض والأسود يُعبرّان عن القصص الذي أرويها والمشاعر التي أرغب بالتعبير عنها بشكل أفضل. آمل أن يشعر الناس عندما يروون أعمالي أنهم متواجدون في المكان نفسه مع أصحاب الصورة".
وختم:" كل قصّة، كلّ أسرة تبقى معي إلى الأبد. أحمل حياتهم معي أينما حللت، أشاركهم صورهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأقول لهم أنهم ليسوا منسيين، وأن قصصهم ما زالت على قيد الحياة".
قبل الإصابة التي تعرض لها في أفغانستان، كان جايلز يعتقد إنه في مرحلة ما كان بإمكانه ترك بعض المشاهد لأنه سيعود بكل الأحوال على متن الرحلة القادمة، لكنه يقول اليوم:" عندما أقوم بمهامي أشعر أنني على مسافة أقرب من الذين يعانون، لأنني تجرعتُ ما يُعانون منه، وهذا ما يُعزز ثقتهم بي وقدرتي على رواية قصّتهم كما يجب أن تُروى".