للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
اعتاد أغلب الأفراد على مواضع الحروف على لوحة الكتابة باللاتينية، فكان من الأسهل والأسرع استخدام ذات الأحرف لكتابة العربية"
مصدر الصورة: SalHar، عبر موقع Shutterstockالدكتورة زينب إبراهيم، أستاذ دراسات اللغة العربية بجامعة كارنيجي ميلون في قطر، تتناول أسباب شيوع استخدام الأبجدية الإنجليزية المعرّبة بين شباب الوطن العربي وأثرها على تراجع ممارسة اللغة العربية
في خضم العولمة الإعلامية واجتياح شتى أنواع الإعلام البديل لعالمنا وحياتنا اليومية، وهيمنة اللغة الإنجليزية على منصات التواصل الاجتماعي، تواجه لغتنا العربية تحديات كبيرة لمواكبة هذا التغيير وتلبية متطلبات العصر الحالي، لا سيما بالنسبة لفئة الشباب من كافة أنحاء العالم في ظل تهافتهم على ممارسة اللغة الإنجليزية وإتقانها، حتى وإن حلت لدى بعضهم محل لغتهم الأم.
مع توسع انتشار منصات التواصل الاجتماعي وتضاعف حجم تأثيرها على الأفراد إلى حد الإدمان في بعض الأحيان، أصبح الأفراد أكثر ميلًا لمواكبة سرعة الأحداث ليس فقط من حيث المتابعة، بل كذلك من حيث التفاعل المباشر عبر تلك المنصات والتعبير عن آرائهم، وهو ما انعكس بصورة كبيرة على اللغة التي يستخدمونها وسرعة كتابتها، فأصبحت الأولوية للغة التي يمكنها توصيل الفكرة بأسرع وقت ممكن وبأقل مجهود. من هنا لجأ الشباب إلى استحداث أبجدية جديدة – تستخدم الأحرف اللاتينية والأرقام لكتابة الكلمات العربية بحسب طريقة نطقها، وهي ظاهرة اشتهرت بـ"العربيزي".
الدكتورة زينب إبراهيم
توضح الدكتورة زينب إبراهيم، أستاذ دراسات اللغة العربية بجامعة كارنيجي ميلون في قطر-إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر- وعالمة اللغويات الاجتماعية، أسباب نشوء ظاهرة كتابة العربيزي وشيوع استخدامها على وسائل التواصل الاجتماعي في الوطن العربي قائلة: "تم استحداث تلك اللغة لتلبية متطلبات السرعة، حيث اقتصرت لوحات كتابة الحاسوب والهواتف الذكية في بداية الأمر على الأحرف اللاتينية، وهو ما أدى إلى اعتياد أغلب الأفراد على مواضع الحروف على لوحة الكتابة باللاتينية، فكان من الأسهل والأسرع استخدام ذات الأحرف لكتابة العربية".
تضيف: "مع مرور الوقت، أصبح العربيزي بديلاً للغة العربية على منصات التواصل الاجتماعي واللغة التي يستخدمها معظم الشباب على تطبيقات الدردشة بشكل يومي، بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الكثير من الشباب أن استخدام العربيزي يُعدّ شيء جذاب وعصري".
من ناحية أخرى، وفقًا لعلم اللغة الاجتماعي، هناك ارتباط وثيق بين الإقبال على تعلّم لغة ما وممارستها في الحياة اليومية، وبين المكانة التي تحتلها تلك اللغة عالميًا، والتي يحددها المكانة السياسية والاقتصادية والعلمية للدول الناطقة بها.
يرتبط موقع اللغة عالميًا بمكانة الدول التي تستخدمها
تقول الدكتورة زينب إبراهيم: " يرتبط موقع اللغة عالميًا بمكانة الدول التي تستخدمها، على سبيل المثال، كانت اللغة الإنجليزية البريطانية، واللغة الفرنسية قبل الحرب العالمية الثانية هما اللغتان العالميتان، وقد اكتسبتا ذلك من مركزهما كقوتين عالميتين في ذلك الوقت. أما الآن فاللغة الإنجليزية الأمريكية هي اللغة التي تتصدر لغات العالم لأن الولايات المتحدة الأمريكية هي المتصدرة عالميًا في الوقت الراهن. لذا، فإن الارتباط الوثيق بين مكانة اللغة المتصدرة عالميًا ومكانة الدول الناطقة بها دائمًا ما يكون له دلالات أخرى تنعكس على متحدثيها، مثل التمدن والتطور العلمي، كما تشير في بعض الأحيان للمستوى الاجتماعي والاقتصادي للمتحدث بها. وتسمى Prestigious language أي لغة مرموقة، لهذا يعمد الغالبية إلى الانحياز للغة التي تتبوأ مكانة متقدمة عالميًا، بالإضافة إلى ذلك، فهي تتيح فرص العمل في الشركات الدولية الكبرى".
هناك العديد من العوامل التي أدت إلى خوف الشباب من ممارسة اللغة العربية وعدم إقبالهم على استخدامها
إلى جانب مواجهة اللغة العربية لتلك الظواهر في الدول الناطقة بها، لا يمكننا التغاضي عن وجود فجوة بين أبناء الأجيال الجديدة ولغتهم العربية، ويرجع ذلك لأسباب تتعلق بالنظم التعليمية في الوطن العربي. تعتقد الدكتورة زينب إبراهيم أن هناك ضرورة ملحّة لتحديث منهجية تعليم اللغة العربية للناطقين بها، وأن تأخُّر تلك الخطوة كان له أثرًا في تكوين تلك الفجوة بين الطلاب ولغتهم الأم، فتقول: "تعتمد نظم التعليم المتطورة على حث الطالب على البحث والمعرفة والتفكير وكذلك تساعده على بناء شخصيته وتنمية مهاراته الفردية، في حين أن نظم التعليم التقليدية تعتمد على الحفظ والتلقين".
تعتقد الدكتورة إبراهيم أن محدودية توظيف الوسائل التكنولوجية الحديثة في تعليم اللغة، وعدم ارتباط المناهج الدراسية بحياة الطلاب أدت إلى عزوفهم عن تعلّم اللغة وإتقان استخدامها. مصدر الصورة: Dani Navarro، عبر موقع Shutterstock
تتابع: "هناك العديد من العوامل التي أدت إلى خوف الشباب من ممارسة اللغة العربية وعدم إقبالهم على استخدامها، من بين تلك الأسباب محدودية توظيف الإبداع واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في تعليم اللغة، عدم ارتباط المناهج الدراسية بحياة الطلاب، التركيز على تدريس النحو بصورة نظرية مكثفة لا يستفيد منها الطالب في حياته اليومية، وتعليم اللغة العربية بمعزل تام عما يُطبّق في اللغات الأخرى".
أردفت: "إذا كنا حقًا بصدد إحداث تغيير وإعادة جذب الأجيال الجديدة للغتنا العربية العريقة، علينا تطوير منهجيتنا التعليمية، وتوفير الدعم التقني قدر الإمكان لتصحيح الأخطاء الإملائية واللغوية على منصات التواصل الإجتماعي لتشجيع أبنائنا على استخدام اللغة الفصحى وكسر حواجز الخوف واسترجاع ثقتهم في ممارسة لغتهم الأم بطريقة سليمة".