للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
عثمان كمارا يُنشأ مؤسسة في بلده الأم لتحسين فرص التعليم في المجتمعات المحرومة ويستلهم التمكين من مسيرته التعليمية
في خريف 2018 وبينما كان عثمان كمارا داخل الصفّ الدراسي في جامعة جورجتاون في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، وصلته رسالة من صديق له في موطنه غامبيا يخبره أن البناء الطيني لمدرسة القرآن الصغيرة التي درس فيها معه، قد ينهار في أي لحظة بسبب موسم الأمطار والفيضانات المرتقب.
ولمّا كان كمارا يعتز كثيرًا بسنوات تلقيه العلم في هذه المدرسة ويقدرها أيّما تقدير، بدأ بعد خروجه من الصفّ مباشرًة بالتحدّث إلى أصدقائه في قطر عن سعيه لمحاولة انقاذ مبنى المدرسة.
بعد مضي عامين على هذه الواقعة، أضحى كمارا – الذي تخرّج في الجامعة هذا العام – المؤسس لـ "علّم جيلًا"، وهي منظمة غير ربحية تتخذ من غامبيا مقرًا لها، ولا يقتصر دورها على تمويل مشروع إعادة إنشاء المدرسة بالكامل فحسب، بل ترعى أيضًا تعليم عدد من الأطفال في البلاد، وجمعت ما يزيد على 3800 كتاب من شتى أنحاء دولة قطر لتكون جزءًا من مكتبة في جامعة غامبيا.
صورة تظهر البناء السابق للمدرسة التي جمع كمارا التمويل اللازم لإعادة بنائها، وأخرى تظهر شكل المدرسة بعد التطوير. حقوق التصوير الفوتوغرافي: مؤسسة "علِّم جيلاً
ينصب التركيز الأساسي في عمل مؤسسة "علِّم جيلًا" على تحسين سبل الحصول على تعليم نوعي في غامبيا، وتمكين النساء، وبث التسامح والتآزر في أوساط الشباب. وقد ارتسمت أهمية هذا الهدف وقيمته في ذهن كمارا خلال دراسته الجامعية، لا سيما بعد أن درس صفوف اللاهوت وعلم الأديان في الجامعة الشريكة لمؤسسة قطر.
كانت مدرسة القرآن التي درس بها كمارا في غامبيا تركز على تحفيظ القرآن الكريم وتدريس أحكامه وتعاليمه، وهو أمر يعتز به كمارا كثيرًا إلى اليوم. وعلى الجانب الآخر كان التحاقه بجامعة جورجتاون في قطر أمرًا مختلفًا وجديدًا، لاسيما وأنها جامعة ليبرالية تُعنى بدراسة الفنون الحرة وهي في الوقت نفسه فرع جامعي تابع لمؤسسة أكاديمية متنوعة ثقافيًا. يقول كمارا إن الجمع بين هاتين التجربتين ساعده في توسيع مداركه إزاء القضايا ذات الصلة بالإيمان والاعتقاد والاتحاد والتآزر.
يتابع كمارا موضحًا: "لقد أسهمت صفوف علم الأديان واللاهوت إسهامًا فعليًا في تغيير نظرتي إلى الديانات الأخرى وتعلمت ألا أصدر أحكامًا مسبقة بشأنها. وساعدتني هذه الصفوف كذلك في فهم المعاني الأعمق للقرآن الكريم، ومكنتني من تأسيس فهم أعمق للإسلام وتقبل الديانات الأخرى بذهنية أكثر انفتاحًا."
معتمدًا على مؤسسته، يرغب كمارا في تحسين فرص التعليم للمجتمعات المحرومة في غامبيا
تتملك كمارا اليوم مشاعر قوية غامرة إزاء توطيد العلاقة الرابطة بين الدين والثقافة والمجتمع، وألاّ تجري دراسة أي منها بمعزل عن الآخر. ومن خلال مؤسسة "علِّم جيلًا"، يخطط كمارا وفريق عمله لاستقطاب معلمين في مجالات الرياضيات والعلوم والدراسات الاجتماعية من أجل توسيع نطاق منهج المدرسة القرآنية لكي يتضمن موضوعات ومواد دراسية أكثر تنوعًا.
ويعلق كمارا موضحًا أن نشر ثقافة السلام والوحدة عبر التعليم الاجتماعي الثقافي في موطنه غامبيا، الذي يضم جماعات عرقية متعددة كثيرًا ما تتصادم فيما بينها، أمرٌ بالغ الأهمية.
رحلة القدر السعيد والعمل الشاق
جامعة بين القدر السعيد والعمل الشاق، كانت رحلة كمارا إلى قطر قادمًا من غامبيا رحلة متميزة ولافتة تمامًا مثلما كانت مسيرته الدراسية. فإبّان دراسته بالمدرسة الثانوية في غامبيا، فاز كمارا في مسابقة طلابية لتلاوة القرآن الكريم، وكانت جائزتها التي نالها عثمان منحة دراسية كاملة الرسوم في معهد الدراسات الإسلامية للبنين في دولة قطر. وبعد تخرجه في المعهد، أراد أن يبقى في قطر ليلتحق بإحدى جامعات المدينة التعليمية، بيد أنه لم يكن يملك الموارد المالية اللازمة لذلك ولا مستوى إتقان اللغة الإنجليزية المطلوب.
ومع ذلك ظل كمارا متشبثًا بالأمل، وسرعان ما كان القدر السعيد حليفًا له؛ فحينما فرغ من الصلاة يومًا في أحد المساجد وهمّ بالخروج، أدرك أن أحدهم قد انتعل حذاءه دون قصد؛ إذ كان الحذاءان متشابهين، فقادت هذه الواقعة إلى تجاذب الرجلين أطراف الحديث. وعندما تطرق الحوار بينهما إلى تطلعات كمارا التعليمية، عرض عليه محاوره سداد الرسوم الدراسية المطلوبة للفصل الأول في برنامج الجسر الأكاديمي، وهو برنامج تابع للتعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر، ويهدف إلى تأهيل خريجي المرحلة الثانوية لمواصلة مسيرتهم الأكاديمية في مستوى التعليم العالي.
التحق كمارا ببرنامج الجسر الأكاديمي في العام 2014، وبذل جهودًا دؤوبة في الدراسة لكي يتمكن من الالتحاق بإحدى جامعات مؤسسة قطر، وقد نجح مسعاه بالفعل إذ حصل على منحة رعاية مكنته من متابعة دراسته في المدينة التعليمية؛ فبعدما أنهى دراسته في برنامج الجسر الأكاديمي، حصل على موافقة القبول في كل من جامعة جورجتاون في قطر وجامعة نورثوسترن في قطر، وكلاهما من الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، ووقع اختياره في نهاية المطاف على جامعة جورجتاون في قطر ليلتحق بها طالبًا في تخصص السياسة الدولية. لم يكن الانتقال إلى المرحلة الجامعية بالأمر اليسير على كمارا، ومردُّ ذلك بالدرجة الأولى إلى أمرين: حاجز اللغة الإنجليزية ودراسته السابقة التي لم تتضمن سوى المواد الإسلامية، ورغم ذلك لم تلن عزيمة كمارا وإصراره على تحقيق النجاح.
يقول كمارا: "لا يسعك في نهاية المطاف سوى تفويض الأمر كله لله، ولكن عليك أن تفعل شيئًا أنت أيضًا؛ فلا يستقيم أن تقعد هكذا لا تحرك ساكنًا وتنتظر أن يأتيك كل شيء من عند الله."
كمارا ممثلاً لمؤسسة "التعليم فوق الجميع" في قمة وايز
متسلحًا بإرادته القوية وإيمانه الراسخ، لم يظل كمارا مثابرًا فحسب، بل حرص على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من تجربته الجامعية؛ فسافر إلى بلدان شتى، وتدرَّب لدى العديد من المؤسسات داخل قطر وخارجها، وشارك في قمة وايز التي ينظمها مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم التابع لمؤسسة قطر، وترأس فريق جامعته لكرة القدم بوصفه رياضيًا محل ثقة، وفاز معه في العديد من المنافسات الرياضية.
ومن أبرز الأنشطة التي اضطلع بها كمارا خدمة المجتمع؛ فإلى جانب تطوعه في العمل الاجتماعي مع اللجنة العليا للمشاريع والإرث ومؤسسة صلتك، عمل أيضًا مناصرًا لقضايا الشباب لدى مؤسسة التعليم فوق الجميع، ولا يزال يشغل هذا المنصب لمساعدة المؤسسة في تحقيق رسالتها الرامية إلى تحسين التعليم في البلدان النامية.
يقول كمارا: "يوجد ملايين مثلي في شتى أنحاء العالم يمرون بالظروف نفسها التي مررت بها؛ فهناك كثيرون ممن يرغبون في الالتحاق بالمدارس وليس لديهم القدرات المالية لذلك، ومن ثمّ عليك أن ترد الجميل للمجتمع وتساعد الآخرين."
وبالتزامن مع مشاركته النشطة في برامج متنوعة خلال دراسته الجامعية، كان على كمارا أيضًا تدبر شؤون حياته الأسرية ومراعاة التوازن بينها وبين ارتباطاته الأخرى؛ فهو متزوج ولديه ولدان، وكانت أسرته تعيش في ألمانيا وقت دراسته بالجامعة. وقد أخذ إجازة لمدة فصل دراسي في العام 2017 حتى يتسنى له زيارة ابنيه وقضاء وقت ممتع مع أسرته.
وفي ظل القيود المفروضة على السفر حاليًا بسبب تفشي جائحة كوفيد-19، يواصل كمارا استغلال الوقت في تطوير نفسه والعمل على تحقيق رسالة مؤسسته؛ إذ يحضر دورات دراسية عبر الإنترنت ويكتسب مهارات فنية متنوعة لتكون عونًا له في الوصول لمآربه المستقبلية.
يقول كمارا: "إذا ما نظرت إلى الأمر نظرة إيجابية، فقد ساعدتني حقًا ظروف الإغلاق والحجر المنزلي في اكتشاف نفسي. كنت معتادًا على قضاء كثير من الوقت خارج المنزل، أما الآن فقد بدأت أطهو الطعام وأحضر دروسًا عبر الإنترنت وأقرأ الكتب، وقد انتهيت من قراءة خمسة كتب حتى الآن، وهو أمرٌ لم أكن لأحققه في الظروف الطبيعية."