للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
خبراء في مجال الرعاية الصحية من حول العالم يعملون على تطوير لقاح كوفيد-19.
مصدر الصورة: Dado Ruvic، عبر موقع REUTERSالدكتور علي سلطان أستاذ علم الأحياء الدقيقة وعلم المناعة في وايل كورنيل للطب– قطر، يشرح كيفية تطوير اللقاح ويؤكد على أهمية إعطاء الأخلاقيات العلمية الأولوية على حساب المصالح السياسية
ينتظر العالم الإعلان عن لقاح فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وتوزيعه على المستشفيات والعيادات الطبية الحكومية بفارغ الصبر، وفيما ينشغل الباحثون والعلماء بالتوصل إلى لقاح فعّال وآمن يُمكن إنتاجه وتوفيره لأكبر عدد ممكن من الناس حول العالم، تتنافس الدول على امتلاكه حتى تم مؤخرًا تداول مفهوم "قومية اللقاح"، حيث الأولوية في المرحلة الأولى من إنتاجه وتوزيعه قد تكون للدول المتقدّمة والغنية، بينما ينتظر سكّان الدول الفقيرة أو ما يعرف بالعالم النامي دورهم بالحصول على حقّهم في الرعاية الصحية.
الدكتور علي سلطان من وايل كورنيل للطب– قطر.
بين اللقاح الروسي الذي أعلنت عنه موسكو في شهر أغسطس 2020 لتكون بذلك الدولة الأولى في العالم، واللقاح الأميركي الذي طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن يكون جاهزًا قبل حلول نوفمبر المقبل، واللقاح الذي يعمل على تطويره الباحثون في جامعة أكسفورد البريطانية، وغيرها من المساعي التي تقوم بها دول أخرى مثل الصين وألمانيا وتركيا، تبقى الأسئلة المطروحة كثيرة، لا سيما تلك التي تدور حول هوية اللقاح، الذي سيفوز بثناء منظمة الصحة العالمية؟ وما هي المراحل الرئيسية التي يمرّ بها أي لقاح قبل اعتماده؟ وهوية الهيئات التي تعتمد اللقاحات؟ والفروقات بين لقاح روسي، وآخر أميركي، وبريطاني، صيني، وألماني؟ ولماذا لا يوحد الباحثون والعلماء جهودهم في هذا المجال من أجل تطوير لقاح أو لقاحين يمكن إنتاجها في معظم الدول؟ وعليه، هل سيكون هذا اللقاح مُلكية قومية لدولة معينة؟ أم مُلكًا لشركة عابرة للقارات؟ في حال اعتماد مفهوم قومية اللقاح، كيف يمكن الالتزام إذن بالأخلاق الإنسانية المقترنة بالعلم، في ظلّ المنافسة السياسية والاقتصادية الشرسة على امتلاك هذا الاختراع، وما يتبع ذلك من اعتبارات سياسية، واقتصادية، وصحية؟
كيف يتم تطوير اللقاح؟
في البداية يعرّفنا الدكتور علي سلطان، أستاذ علم الأحياء الدقيقة وعلم المناعة في وايل كورنيل للطب– قطر، على ماهية اللقاحات، قائلاً:" اللقاح هو بمثابة مادّة يتم استخدامها عادة بهدف تحفيز مناعة الجسم البشري لإنتاج أجسام مضادة من أجل التصدّي للميكروب المرضي المسبب للمرض. يمكن حقن اللقاح في العضلة الدالية أو تحت الجلد أو يمكن تناوله عن طريق الفم. عند دخول اللقاح جسم الإنسان، يقوم المُكّون المضاد للقاح بتحفيز جهاز المناعة للتعرف على الفيروسات أو البكتيريا على أنها جسم معتدٍ، فيبدأ بإنتاج الأجسام المضادة والخلايا المناعية وتذكّرها في المستقبل".
وأوضح:" يمكن للمواد التي يتكوّن منها اللقاح أن تكون طبيعية أو من مواد محضّرة بشكل صناعي. فمثلًا في حالة لقاح التهاب الكبد الوبائي من (فئة ب)، تم أخذ بروتينات مغلفة من الفيروس وتركيب اللقاح بشكل صناعي من خلال إضافة عناصر مقوية لزيادة فعالية مادة اللقاح. إمّا أن تكون مكوّنات اللقاح طبيعية، حيث يتم أخذ البكتيريا أو الفيروس أو الكائن الطفيلي نفسه بدرجة ضعيفة، ولكنها تحمل بما فيه الكفاية القدرة على تحفيز الجهاز المناعي لفرز الأجسام المضادة المطلوبة للتصدّي لهذا الفيروس".
في زمن الجائحة تحتاج إلى انتاج أعداد ضخمة جدًا لتطعيم البشرية، فهل يمكن مثلًا انتاج عدد كافٍ من اللقاحات لسكان العالم والبالغ عددهم نحو 7 مليار. نحتاج إلى 14 مليار جرعة، إذا ما تحدثنا عن جرعتين لكلّ شخص على سبيل المثال. لذا سوق اللقاحات يعتبر تحد كبير ومعقد
فيما يتعلق بالخطوات التي تمرّ بها اللقاحات عادة قبل أن يتم اعتمادها، تسويقها، توزيعها، والجهات التي تعتمدها، يقول الدكتور علي سلطان:" يتم اكتشاف اللقاح وتطويره عبر مراحل زمنية مختلفة وطويلة تستغرق بين بين 10 و15 عامًا. من أسرع اللقاحات التي تم اكتشافها وتطويرها هو اللقاح المخصص لمرض النكاف وهو مرض فيروسي معدٍ يهاجم الغدد النكفية، واستغرق فقط 5 أعوام. يمكن القول إن الباحثين في هذه الحالة كانوا محظوظين بتطوير اللقاح خلال هذه المدة الزمنية القصيرة، لأن هذا الفيروس من نوعية واحدة وغير قابل للتحول. إذا أخذنا مثل فيروس كوفيد-19 حاليًا، هناك أنباء أن اللقاح سيستغرق اكتشافه وتطويره نحو عام إلى عامين، وهذا تحدٍ كبير جدًا".
يوضح الدكتور علي سلطان مراحل اكتشاف اللقاح وتطويره، قائلاً:" المرحلة الأولى هي استكشافية تتضمن أبحاث معملية أساسية، وأحيانًا نستخدم النمذجة الحسابية لنحدّد عدد الحواتم أو المستضدات التي ممكن استخدامها كلقاح مرشح وهذه العملية تكون في المعمل الأساسي. المرحلة الثانية هي المرحلة ما قبل السريرية، وتكون أيضًا في المعمل، وتتضمن مثلًا زراعة الخلايا أو أنسجة معينة وتجارب على حيوانات نموذجية كالفئران والشمبانزي، ولا بدّ أن تجرب على الحيوانات في المعمل من أجل التأكد أولًا من سلامة اللقاح الذي لا يؤذي الحيوان والإنسان، وثانيًا التأكد من قدرة اللقاح على تحفيز الاستجابة المناعية، وثالثًا دراسة عدد الجرعات المطلوبة من أجل الحصول على الوقاية الفعالة المطلوبة. وفي حال ظهور نتائج مبشرة، يقدّم الباحثون طلب البدء في التجارب السريرية".
يتابع الدكتور علي سلطان بالقول:" في كلّ مركز أو معهد بحثي هناك جهة مسؤولة عن استلام نتائج الباحثين في المعامل المتعلقة باكتشاف اللقاح ونتائج البحوث؛ ثم هناك مجلس مستقل يشرف على التجارب السريرية. فمثلًا في دولة قطر، تعدّ وزارة الصحة العامة هي المسؤولة، في الولايات المتحدة الأمريكية هناك هيئة الغذاء والدواء، في أوروبا هناك وكالة الأدوية الأوروبية، في كل دولة هناك هيئة معينة تصدر الموافقة على التجارب السريرية على الإنسان".
في نظرة سريعة على سيرورة تجارب اللقاح السريرية على الإنسان، يوضح أستاذ علم الأحياء الدقيقة والمناعة في الجامعة الشريكة لمؤسسة قطر قائلًا:" في المرحلة الأولى من التجارب السريرية يتم التأكيد من سلامة اللقاح عبر إعطاء الجرعة المناسبة لعينة محدودة من الأفراد الأصحاء (20 إلى 100 فرد) على أن تكون كفاءتهم المناعية عالية؛ المرحلة الثانية تُعرف بتوسيع الأمان من حيث عدد الذين يأخذون اللقاح بين (200 -1000 فرد)، وممكن تقسيمهم إلى مجموعات من حيث التركيبة السكانية، أو الفئات العمرية، -ولا بد من الإشارة إلى أنه في هذه المراحل، كلّ من يأخذ اللقاح لا بدّ وأن يكون متطوعًا وموافقًا ومُلّمًا بأهداف اللقاح المعطى له والعوارض المتوقعة وغيرها من التفاصيل. أما المرحلة الثالثة هي مرحلة اختبار فعالية اللقاح، والتي يتم تعريفها على أنها النسبة المئوية التي يتم من خلالها تقليل معدل حدوث المرض في المجموعات المحصنة التي تم إعطائها باللقاح مقارنة بالمجموعات التي تم إعطائها الدواء الوهمي، وغالبًا ما تكون النسبة المرغوب بها 70% وما فوق".
طرح اللقاح في الأسواق
خلال الفترة التي نمرّ بها حاليًا على مستوى اللقاح المنتظر لـ(كوفيد-19)، تعتبر نحو 8-9 لقاحات والتي تم الإعلان عن تطويرها قد دخلت بالفعل المرحلة الثالثة وهي مرحلة التأكد من فعاليتها في التجارب السريرية، كما هو الحال في اللقاح التي أعلنت عنه روسيا، وأميركا، والصين؛ إذ يمكن للسلطات التنظيمية المعنية إعطاء الإذن للباحثين باختزال المراحل الزمنية بسبب حالات الطوارئ خلال الجائحة عبر الجمع بين المرحلتين الأولى والثانية من التجارب السريرية للتسريع في عملية تطوير اللقاح.
إلا أن الدكتور علي سلطان يشدّد على مرحلتين إضافيتين مهمتين جدًا عادة ما تكونان بعد المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، وهي مرحلة نشر البحوث في المجلات العلمية ومراجعتها والتحقق من بيانات اللقاح ومراقبة سلامته. ومن ثم المرحلة الأخرى التي تليها وهي مراقبة تصنيع اللقاح وتسويقه للتأكد من فعاليته بين ملايين البشر في العالم، قبل استخدامه في المجموعات السكانية المستهدفة لأن التكوينات الجينية تختلف بين السكان في البلدان، وعليه لا بدّ من التأكد على أن نسبة الفعالية ما زالت كما هي ولم تتراجع.
مسألة قومية اللقاح خطيرة جدًا، وهذه العقلية بدأت تظهر في مسألة تطوير اللقاحات وتوزيعها. وهي مستهجنة ليس فقط من الناحية الأخلاقية، ولكن هي طريقة خاطئة تمامًا لتقليل خطر انتقال العدوى بين البلدان
ويقول الدكتور علي: "يعتبر سوق اللقاحات محدّد وصغير على خلاف سوق الأدوية، وهو سوق يعتمد على العرض والطلب. ولكن في زمن الجائحة تحتاج إلى انتاج أعداد ضخمة جدًا لتطعيم البشرية، فهل يمكن مثلًا انتاج عدد كافٍ من اللقاحات لسكان العالم والبالغ عددهم نحو 7 مليار. نحتاج إلى 14 مليار جرعة، إذا ما تحدثنا عن جرعتين لكلّ شخص على سبيل المثال. لذا سوق اللقاحات يعتبر تحد كبير ومعقد".
مخاطر الاستئثار باللقاح
يأمل العديد من سكّان العالم بأن لقاح كوفيد-19 هو الحلّ الذي سيقضي على هذا الوباء، ولكن الدكتور علي سلطان يرى أن بعض التحديات قد تقف في وجه الحدّ من انتشار الفيروس، قائلًا:" ما يدعو للقلق هو الحديث حول ما يعرف بأمتي أولًا، أو قومية اللقاحات، والذي بدأنا نشهده في عدد من الدول حول العالم. تابع: "مسألة قومية اللقاح خطيرة جدًا، وهذه العقلية بدأت تظهر في مسألة تطوير اللقاحات وتوزيعها. وهي مستهجنة ليس فقط من الناحية الأخلاقية، ولكن هي طريقة خاطئة تمامًا لتقليل خطر انتقال العدوى بين البلدان. فمثلًا إذا استأثرت الدول المتقدمة والغنية باللقاح، ولم توفره للدول الفقيرة، سيتأثر اقتصاد الدول الفقيرة أكثر، وستزيد حالات انتشار العدوى فيها. اليوم العالم أصبح قرية صغيرة وبالتالي قومية اللقاح قد تساهم في إعادة انتشار الوباء مجددًا على مستوى العالم، إذا لم يتم التنبه إلى هذه المسألة ومعالجتها".
مسألة تطوير اللقاح والحاجة إليه أثار المخاوف من "قومية اللقاح" والأولوية التي تُعطى لبعض الدول على حساب أخرى للحصول عليه. مصدر الصورة:Latin America News Agency، عبر موقع REUTERS
لذا يؤكد الدكتور علي سلطان على أهمية "النشر العادل والسريع" للقاحات وتوفير معدّات الرعاية الصحية ولوازمها من أجل التحكم في جائحة كوفيد-19، مشيرًا إلى أن قمة التحالف العالمي للقاحات والتحصين لحماية الأطفال في الدول الفقيرة، التي عقدت في يونيو 2020، بمشاركة أكثر من 50 بلدًا و35 رئيس دولة وحكومة، وضعت هذا الهدف نصب عينيها، وقد شاركت دولة قطر آنذاك في هذه القمة وتعهدت بتقديم بقيمة 20 مليون دولار في إطار هذه الجهود العالمية. إلا أن العديد من الدول لم تشارك في هذا المؤتمر، ما وصفه سلطان بـ"المقلق جدًا"، بالإضافة إلى سبب آخر يدعو للقلق وهو يكمن في حقيقة أن شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية الرائدة في مجال إنتاج الأدوية واللقاحات، يخططون لإعطاء الأولوية لبعض البلدان عندما يتعلق الأمر بتوزيع لقاح كوفيد-19.
اللقاح هو نفسه في نهاية المطاف. ما قد يختلف بين دولة منتجة وأخرى، هي طرق الإنتاج والتقنية المعتمدة
فيما يتعلق بالفروقات بين اللقاحات التي تطوّرها كل دولة على حدى، يوضح الدكتور علي سلطان، قائلًا:" الفيروس هو نفسه سواء في الصين، الهند، البرازيل، روسيا، أميركا، بريطانيا، ألمانيا، الشرق الأوسط، وإفريقيا، وفي جميع أنحاء العالم. لقد رأينا طفرات في الفيروس، وقد نشهد المزيد من الطفرات لهذا الفيروس، ولكن حتى الآن لا يمكننا القول ما إذا كان هذا سيؤثر على لقاح كوفيد-19 في المستقبل أم لا". وأضاف: "اللقاح هو نفسه في نهاية المطاف. ما قد يختلف بين دولة منتجة وأخرى، هي طرق الإنتاج والتقنية المعتمدة، لكن الهدف واحد وهي أن الأجسام المضادة والخلايا المناعية التي ينتجها جهاز المناعة لدى الإنسان ستكون نفسها لمحاربة الفيروس".
يرى الدكتور علي سلطان أنه على الخبراء والباحثين أخذ زمام الأمور فيما يتعلق بلقاح -19 وألاّ يُترك القرار للساسة فقط.
الفيروس واحد، والأجسام المضادة واحدة، لماذا الاختلاف إذاً بين عولمة اللقاح وقوميته؟ هنا، يؤكد الخبير على أهمية الأخلاق المقترنة بالعلم بعيدًا عن المصالح السياسية والنزاعات بين الدول واستخدام اللقاحات كأداة ضغط على الدول الفقيرة، وعلى دور الباحثين والعلماء كقوى ضاغطة على القرارات السياسية، ويقول:" قومية اللقاحات لها جوانب ضارة جدًا، وعلى الخبراء في علم الأوبئة والفيروسات، وخبراء اقتصاديات الصحة، والعلوم الاجتماعية والإنسانية، وغيرهم من الباحثين المختصين، أخذ زمام المبادرة وعدم ترك القرار للسياسيين، ووضع استراتيجيات قائمة على العلم وتوزيع اللقاح بطريقة آمنة وفعالة، عبر آليات التمويل المبتكرة وأن يتم توحيد جهود المنظمات الحكومية وغير الحكومية والعمل معًا. فنحن لسنا أعداء بعضنا البعض، عدّونا واحد وهو الفيروس".