للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
يتحدث الدكتور خالد فخرو من سدرة للطب عن المقوّمات التي تتمتع بها دولة قطر وتؤهلها لتصبح من بين أكبر الدول الفاعلة عالميًا في مجال اكتشافات الطب الحيوي
الطب الشخصي، طب الجينوم، والعلاج الموجه، جميعها مفردات شائعة في مجال الطب الدقيق. ولكن ماذا تعني تلك المفردات؟ سؤال أصبح أكثر إلحاحًا مع ازدياد انتشار مصطلح الطب الدقيق.
إذا أخذنا الصداع النصفي كمثال، لم تستجب بعض الأجسام لعقار الباراسيتامول، بينما يستجيب البعض الآخر بشكل أفضل لدواء آي بروفين أو الأسبيرين؟ في حين قد لا يستجيب البعض لأي منها، وقد يتطلب الأمر جرعات أقوى من الأدوية المختلفة، قبل أن يتمكنوا من العثور على تركيبة مناسبة لهم.
كلّ منّا له تركيبته البيولوجية الخاصة الفريدة من نوعها، ويسمح لنا الطب الدقيق باستكشاف والتحقيق في هذا الإختلاف على المستوى الجزيئي، وليس على مستوى الأعراض الخارجية التي تظهر على الأفراد
يُعد الطب الدقيق أحد مجالات التركيز الأساسية في قطاع البحوث والتطوير والابتكار في مؤسسة قطر، وتضاعفت الجهود في هذا المجال مع احتفال مؤسسة قطر بالذكرى الخامسة والعشرين على تأسيسها، مما يعكس التزام المؤسسة في بناء مجتمع أكثر صحة من خلال المعرفة والابتكار.
يقول الدكتور خالد فخرو، رئيس قسم الأبحاث بالإنابة ورئيس برنامج الطب الدقيق في سدرة للطب: "كلّ منّا له تركيبته البيولوجية الخاصة الفريدة من نوعها، ويسمح لنا الطب الدقيق باستكشاف والتحقيق في هذا الإختلاف على المستوى الجزيئي، وليس على مستوى الأعراض الخارجية التي تظهر على الأفراد. إن القدرة على رؤية هذه الاختلافات بدّقة يعني أنه يمكننا فهم الأسباب وراء أمراض معينة بشكل أفضل، وبالتالي كيفية علاجها بصورة أكثر فعالية.
يُضيف الدكتور خالد فخرو: "الأمر يشبه التفكير في الفرق بين السترة الجاهزة والمفًّصلة خصيصًا لتناسب مقاس شخص ما. فالأولى تمت حياكتها وفقًا لمتوسط القياسات العامة للأفراد بشكل عام، بينما بالنسبة للأخرى فقد حيكت لتناسب مقاس المشتري بدقة، وتم تصميمها بصورة تناسب بنيته البدنية تمامًا. من خلال هذه المقارنة، تمثّل السترة الجاهزة الطب الحديث المتعارف عليه، في حين تمثّل السترة المفصّلة خصيصًا الطب الدقيق".
الدكتور خالد فخرو
يُتابع: "مع ظهور الطب الدقيق، بدأ نهج قياس واحد يناسب الجميع في التراجع، وسيتم استبداله قريبًا باكتشافات وعلاجات أكثر تفصيلًا لتُناسب الحالات المختلفة بصورة أكثر دقة. بفضل الطب الدقيق، نعلم الآن أن شخصين مصابين بنفس أعراض المرض قد يستجيبان بشكل مختلف لنفس الدواء، وذلك بسبب الاختلافات في تركيبتهما الجينية. على عكس ذلك، قد تظهر أعراض تبدو مختلفة على مريضين لهما نفس الأساس الجيني، مما يكشف لنا هدفًا موحدًا للتدخل الدوائي".
أوضح الدكتور فخرو أنه بفضل تلك المعرفة، سيكون هناك تحول من وصف العلاجات على أساس ما يصلح للأغلبية إلى مستقبل حيث يتم إعطاء العلاج بالجرعة المناسبة للشخص المناسب في الوقت المناسب - وهذا هو ما يسمى بالطب الشخصي. مع ذلك، من المهم أن نذكر أن الطب الدقيق قد لا يمكنه التحقيق في كافة جوانب المرض في نفس الوقت.
يقول الدكتور فخرو: "في بعض الحالات، مثلما في الأمراض المزمنة (داء السكري من النوع الثاني، الربو، ارتفاع ضغط الدم، أو ارتفاع مستويات الكوليسترول)، فتلك الأمراض لها جوانب متعددة تؤثر في الحالة. قد يلعب الاستعداد الجيني دورًا مهمًا كدليل من خلال التاريخ العائلي على سبيل المثال، ولكن تلعب البيئة أيضًا دورًا هامًا. في حين أنه من السهل قياس المكون الجيني باستخدام تقنيات الجينوم، إلا أنه يكاد يكون من المستحيل تسجيل التاريخ الكامل للفرد من حيث تعرضه للبيئة المحيطة التي لها تأثير على حالته".
في حين أنه من السهل قياس المكون الجيني باستخدام تقنيات الجينوم، إلا أنه يكاد يكون من المستحيل تسجيل التاريخ الكامل للفرد من حيث تعرضه للبيئة المحيطة التي لها تأثير على حالته
في مثل تلك الحالات، اعتمد الطب التقليدي بشكل كبير على التجربة والخطأ. بمجرد تشخيص أحد الأفراد بمرض ما، يتم وصف دواء له، إذا لم ينجح، يمكن تجربة دواء آخر، أو مجموعة من الأدوية، وما إلى ذلك، حتى يستجيب لأحدها. قد يكون ذلك حلًا قابلًا للتطبيق مع الأمراض المزمنة لأنها تتقدم ببطء، ولكن يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لحالات مثل التوحد واضطرابات التمثيل الغذائي والسرطان. في مثل هذه الحالات، يعتبر التوقيت عنصرًا محوريًا، وكل يوم يشكل فرقًا بالنسبة للمريض. وقد ثبت في كثير من الحالات أن التدخل المبكر يزيد من فرص النجاة ويحسن نوعية الحياة بشكل كبير.
في سدرة للطب، قمنا بتطوير الكفاءات الأساسية المرتبطة بالتسلسل والتحليل الحسابي للجينوم، بدأنا في التحقيق بالدور الذي تلعبه الجينات في الاستعداد للأمراض وتطورها
وفقًا للدكتور فخرو، فإن الطب الدقيق أظهر نتائج واعدة في علاج أمراض مثل السرطان حتى الآن، مشيرًا إلى "أن معرفة الجين المسؤول عن الورم يمكنه مساعدة الأطباء في تحديد الأدوية التي من المرجح أن يستجيب لها المريض، وبالتالي فهي تُجنّب المريض تلقي علاجات غير مفيدة، وكذلك العلاج الكيميائي الشامل الذي يؤثر على أجزاء كثيرة من الجسم بما فيها تلك الأجزاء التي ليس لها علاقة بالورم".
بالنسبة لقطر، فإن تطبيق برنامج الطب الدقيق يعني المضي قدمًا نحو تطبيق نظام رعاية صحية أكثر قوة ودقة، والذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى توفير الصحة العامة الأفضل للجميع.
أضاف الدكتور فخرو: "في سدرة للطب، قمنا بتطوير الكفاءات الأساسية المرتبطة بالتسلسل والتحليل الحسابي للجينوم، بدأنا في التحقيق بالدور الذي تلعبه الجينات في الاستعداد للأمراض وتطورها. هذا أيضًا ما يجعل مستشفانا متميّز من حيث منهج الرعاية الصحية الذي نتبعه، لأنه سيساعد الأطباء على إجراء تشخيصات أكثر دقة ووصف علاجات أكثر فعالية للمرضى. كما أنه سيساعدنا على التنبؤ بتطور الأعراض لدى المرضى الذين يعانون من اضطرابات مزمنة، فعلى سبيل المثال، لماذا يصاب بعض مرضى السكري باعتلال الشبكية (ضعف البصر) بينما يعاني البعض الآخر من الفشل الكلوي في المرحلة النهائية؟ "
اختتم الدكتور فخرو قائلًا: "إن مؤسسة قطر تحتل مكانة فريدة لريادة الجهود الوطنية حول الطب الدقيق. حيث اجتمعت التكنولوجيا، العلم، الريادة، الرؤية جميعها تحت لواء مؤسسة واحدة، حيث تمتلك دولة قطر إمكانات هائلة لبناء اقتصاد واعد في مجال الطب الدقيق، وهو ما سيجعلنا متفردين في المنطقة، ومن بين الدول الأكثر فعالية في هذا المجال على مستوى العالم.